خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مشكلة بيت

شراء بيت أو بيع بيت مشكلة عويصة في بريطانيا وقد تستغرق عدة أشهر لإنجازها. بيد أن صديقي طلعت أصاب منها أكثر مما يتوقع. قضى أشهرًا طويلة في تجميع المال اللازم لشراء دار متواضعة يسكن فيها. وقع نظره أخيرًا على البيت الذي يناسبه، أو بالأحرى يناسب فلوسه. زار الوكيل الدلال ودفع له التأمينات اللازمة وأمره بإنجاز الصفقة بأسرع ما يمكن قبل أن ينفق توفيراته. ولكن مرت عدة أسابيع ولم يُنجز منها شيء.
تبين أن صاحبة الدار كانت قد توفيت. ولكن توفيت من دون وريث. كتبت وصية شرعية أوصت فيها بالدار للحزب الشيوعي البريطاني. كانت مناضلة عتيدة من مناضلات الحزب. لا مشكلة في الموضوع سوى أن الحزب الشيوعي كان قد يئس من مستقبله وحل نفسه وصفى أعماله. تقدم بعض الرفاق للمحامي وقالوا إنهم الوريث الشرعي للحزب. فهم الآن يزاولون أعمال الحزب تحت اسم مورننغ ستار. طالبوا بثمن بيع الدار وثمن كل ما فيها من أثاث ومحتويات لإنجاز الصفقة بالتمام وحسب الأصول.
وبينما كان المحامي على وشك إنجاز المعاملة القانونية على هذا الأساس جاءه رفاق آخرون بثياب مهلهلة وأربطة حمراء وقالوا: بل نحن يا سيدي الذين يمثلون الحزب الشيوعي البريطاني ونواصل أعمال الحزب من أجل الثورة على هذا الأساس. اكتشف المحامي أن المورننغ ستار قد انشقت إلى طائفتين كل منهما تدعي أنها تحمل التراث الماركسي اللينيني الصحيح كما تمسك به الحزب الشيوعي المنحل وتعمل على نهج القيام بالثورة الحمراء. وفي هذا الغموض في تنفيذ الوصية، لم يعبأ المحامي بمراجعة أسس الماركسية اللينينية وانطباقها على أي من الطائفتين بل قرر بدلاً من ذلك رفض كلتا الفئتين واعتبار أن الموصى إليه غير موجود. وفي هذه الحالة قرر توزيع التركة على جمعيات خيرية تتشابه مبادئها مع غرض السيدة صاحبة الوصية.
وكأي بلد حضاري، هناك في بريطانيا مئات، بل ألوف الجمعيات الخيرية التي تسعى لشتى الأهداف، من إنقاذ الحمير في بلاد الشرق الأوسط إلى رعاية القطط أو الكلاب، أو حتى الضفادع في بريطانيا. ما إن سمع بعضها بالأمر حتى اتصل بالمحامي المحترم ليطالب بحصته من الوصية. وفي هذه الأثناء مل صديقي طلعت من الموضوع كليًا وقرر أن يسحب تأميناته من الدلال وينفقها على زواج مستور بامرأة بنت حلال تستحق إنفاق المبلغ عليها، بدلاً من شراء بيت من أملاك الحزب الشيوعي البريطاني، وهو ما حاول عمله صاحبي.
التقيت به بعد سنوات. سألته عن أحواله فبادر إلى عض أصابعه ثم قال: يا عزيزي أبو نائل، تتذكر هذه المرأة التي حدثتك عنها. اشتريت لها سيارة وأنفقت عليها كل ما كان في حوزتي من مال. ثم غيرت رأيها وشردت مني. أنا إنسان ذو حظ عاثر، مهما أفعل يجلب لي الندم في آخر المسار.