راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

بوتين ومصير الأسد!

الوقائع الميدانية على الأرض في سوريا وتحديدًا في حلب تناقض تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري المتفائلة، التي أطلقها يوم الثلاثاء الماضي، بعد محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، ثم مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في فينتيان عاصمة لاوس، عندما تحدث عن أمله في إحراز تقدم للتوصل إلى حل دبلوماسي في سوريا في بداية أغسطس (آب).
في بداية أغسطس.. الآن؟
بينما تواصل نيران القصف السوري وبراميله المتفجرة تدمير ما تبقى من حلب حيث سُويت ستة مستشفيات بالأرض، مع وصول تصريحات المستر كيري!
كان من المثير أن يبدو المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أكثر تحفظًا، عندما أبدى حرصه على عدم تحديد موعد لاستئناف المفاوضات، قبل العودة إلى القرار الأممي رقم 2268 والالتزام الفعلي بما نص عليه من وقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين، وهو ما لم يلتزم به النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس، ولهذا قال إنه يأمل بإمكان العودة إلى المفاوضات في جنيف في آخر شهر أغسطس.
لكن للنظام السوري روزنامة أخرى انطلاقًا من حلب تحديدًا؛ ففي حين نقلت الوكالات تصريحات كيري ودي ميستورا عن العودة إلى جنيف، كان الجيش السوري بعد سيطرته على حي الليرمون في شمال غربي حلب، وتشديده الحصار على الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، يوجّه الرسائل إلى سكان شرق المدينة، واعدًا بتأمين ممر آمن للراغبين في مغادرة المنطقة، بما يعني ضمنًا أن الرهان على وقف الأعمال العدائية مجرد افتراضات واهمة عند الأميركيين.
والدليل أنه عندما أعلن النظام السوري يوم الأحد الماضي أنه مستعد لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة ودون تدخل خارجي، وأنه عازم على التوصل إلى حل سياسي للصراع، بدا من جهة أنه يتعمّد تقديم ورقة ضغط لسيرغي لافروف في مفاوضاته مع كيري، ومن جهة ثانية يحاول إظهار رغبته في حل سياسي لكنه يمضي في الحل العسكري مدعومًا من حلفائه.
تكرار رفضه أي شروط مسبقة وأي تدخل خارجي في المفاوضات، يؤكد أنه يتمسك بالصيغة الروسية التي نسفت روح مؤتمر «جنيف 1» لجهة تعمية أي ترجمة تتصل بعملية الانتقال السياسي، التي يفترض أن تضع موعدًا لخروج الأسد من السلطة، وهي العقدة التي تدمر سوريا منذ بداية الحرب قبل خمسة أعوام، على وقع البدايات التي رفعت شعار «الأسد أو نحرق البلد»!
المعارضة السورية ردت سريعًا على عرض النظام التفاوض دون شروط مسبقة بالقول إنها لا تثق به، ليس لأنه أفشل كل الموفدين الدوليين وكل مساعي الحلول وكل جولات التفاوض في جنيف فحسب، بل لأن من الواضح أنه مع حلفائه الروس والإيرانيين، يسعى إلى إحداث تغيير شامل لموازين القوى على الأرض من خلال القصف المكثّف على حلب قبل التوصل إلى حل سياسي يريده وفق رؤيته وشروطه، أي إنه يريد أن تتم عملية التحوّل السياسي تحت مظلته، وتحديدًا عبر إعطاء المعارضة التي يديرها، حصة شكلية في حكومة يطلق عليها اسم حكومة وحدة وطنية، بينما لن تقبل المعارضة بأقل من رحيله في بداية المرحلة الانتقالية! العقدة «الأبدية» التي تتصل بمصير الأسد وموعد خروجه من السلطة أو بقائه فيها ولو مرحليًا، لا تزال غامضة تمامًا، وهو ما أطلق شكوكًا مبكّرة حول إمكان إحراز أي تقدم في المفاوضات المقبلة التي تحدث عنها كيري ودي ميستورا، رغم أن بعض التقارير الصحافية التي وردت بعد محادثات كيري مع بوتين ولافروف في موسكو، ذكرت أن هناك مؤشرات على قرب توصل واشنطن وموسكو إلى تفاهم يحدد مصير الأسد، وأن وضعيته باتت على درجة من الحساسية، وأن هناك تفاهمًا ضمنيًا لن يعلن قبل بدء التفاوض، على ضرورة نزع صلاحياته بعد فترة قصيرة من بدء المرحلة الانتقالية.
في سياق الحديث المتواتر عن هذا التفاهم يندرج مثلاً الإعلان يوم الأربعاء الماضي عن أن وزارتي الدفاع الأميركية والروسية ناقشتا في دائرة تلفزيونية مغلقة أمن الطيران في الأجواء السورية، وأن المحادثات الثلاثية في جنيف بين دي ميستورا ومايكل راتني السفير الأميركي المعيّن في دمشق، ونائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، ركزت على تفعيل تحرك فريق العمل الخاص بوقف القتال بهدف إحراز تقدم على جبهة مدينة حلب الأكثر اشتعالاً، حيث دمّر الطيران السوري ستة مستشفيات!
في أي حال بدت شحنة التفاؤل عند كيري مبالغًا فيها عندما أبلغ الصحافيين على هامش مؤتمر دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، بأنه يأمل أن يتمكن في مطلع أغسطس «أن نقف أمامكم ونقول لكم ما يمكننا القيام به، مع الأمل في أن يحدِث ذلك فرقًا للشعب السوري وفي مجرى الحرب»، ولكن عندما يضيف قوله «إن الجميع يعرفون أننا نسعى إلى تثبيت وقف الأعمال القتالية، وإيجاد إطار يسمح لنا بالجلوس إلى الطاولة وإجراء مفاوضات حقيقية لإحراز تقدم»، فإنه سيحتاج إلى صدقية روسية هذه المرة في مجال «التعاون المتزايد والتدابير الملموسة» اللذين أشار إليهما، لناحية ممارسة موسكو ضغطًا حقيقيًا على الأسد وحلفائه للالتزام بالقرار 2268، الذي يسمح فعلاً بالعودة إلى طاولة جنيف.
المثير أن كيري كان يتحدث على موجة العودة إلى التفاوض في جنيف بعد وقف للعمليات الحربية، آملاً في إعلان تفاصيل «خطة أميركية للتعاون العسكري الوثيق مع روسيا في شأن سوريا وعن تبادل المعلومات بين الطرفين»، بينما كان الروس يتحدثون على موجة أخرى، وهي الإيحاء برضوخ واشنطن أخيرًا لمطلبهم، الذي حضّ واشنطن دائمًا على قبول هذا التعاون العسكري لكنها كانت ترفض!
على أساس كل هذا وفي ضوء التناقض بين الوضع الميداني الملتهب والتصريحات الأميركية المتفائلة، ليس كثيرًا أن تتسع حلقة التشاؤم عند المعارضة السورية التي تتراجع ميدانيًا في حلب وتعرف جيدًا أن ما لم تحصل عليه في جنيف عندما كانت قواتها على تخوم اللاذقية لن تحصل عليه الآن.
لهذا فإن مهمة دي ميستورا ستستمر في المراوحة عند مقولة «يا حصرمًا رأيته في حلب»، باعتبار أنه بدأ عمله كمندوب أممي في يوليو (تموز) من عام 2014 حاملاً خريطة حلب وداعيًا إلى وقف متدرّج للنار يبدأ منها، لكن الطيران الروسي والسوري جعلا من حلب ستالينغراد الجديدة، والآن عندما يكون باراك أوباما الذي سلم الملف السوري لبوتين، منصرفًا إلى حزم حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، فلماذا يقدم الروس رأس الأسد ثمنًا لحل باتوا يتفرّدون بفرضه وفق روزنامتهم المتشعبة من سوريا إلى أوكرانيا؟