د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

جذور التعصب والإرهاب

كثف قادة الخليج ووسائل الإعلام والكتاب في الصحافة الخليجية حملتهم على الإرهاب والإرهابيين في الخليج، بعد اكتشاف خلايا وطرق جديدة يتبعها تنظيم داعش في استقطاب الشباب الخليجي، ومن هذه الوسائل.. استغلال قوى الإرهاب لوسائل الاتصال الجماهيري ومنابر المساجد، حيث نجح «داعش» وقوى الإرهاب الأخرى في استقطاب الشباب العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، لتطويعهم لأعمالهم الإرهابية.
السؤال كيف استطاعت قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها «داعش»، تطويع المساجد ودور العبادة في بعض بلداننا الخليجية، رغم حقيقة أن الحكومات هي المسؤولة الرئيسية عن قطاع المساجد ودور العبادة؟ كيف تم اختراق دور العبادة في بلداننا؟
الحقيقة المرة تكمن في ثقة حكوماتنا برجال الدين والوعاظ وأئمة المساجد، متصورين أن هؤلاء الأئمة يحملون فكرًا ونهجًا وسطيًا للإسلام، بينما واقع الحال غير ذلك. فقد اكتشفنا أن هناك من أئمة المساجد ومن المواطنين من ينتمي إلى أحزاب وحركات إسلامية مؤدلجة ومسيسة، حيث استطاع هؤلاء المشايخ جرَّ الشباب وتجنيدهم لبرامجهم السياسية. ففي الكويت مثلاً، أوقفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سبعة أئمة لمخالفتهم ميثاق المنابر، وتم تشكيل لجنة من المختصين لتطوير خطب الجمعة ودروس الأئمة للرد على الشبهات والأفكار المنحرفة، وتطهير العقول من البدع، كما شكلت لجنة وفريق عمل لتعديل ميثاق المساجد.
ماذا عن دور وسائل الاتصال الجماهيري والإعلام، من إذاعة وتلفزيون وصحافة، في نشر الأفكار الهدامة التي تروج للإرهاب؟
إننا لا نبالغ عندما نقول إننا نتسلم عشرات الرسائل عبر «واتساب» و«تويتر» وغيرهما، وهي لقطات وأفلام فيديو تروج للقتل والإرهاب بشكل مستمر ومتواصل.
كثير من الأقاويل التي تنقل عبر شاشات التلفزيون أو أدوات الاتصال الجماهيري مضامينها تتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة، ومع ذلك نجدها تبث بشكل علني، والأمثلة على ذلك كثيرة. وهناك من هؤلاء الشيوخ من يتدخل في طرق التعليم التي تفرضها الدولة، فمنهم من حرم السلام الوطني في المدارس، واعتبره بدعة ومعصية، وكفر العلمانيين، وحتى غيرهم من أصحاب المذاهب. ونسي هؤلاء أن من أهم مظاهر التعصب الديني الازدراء والحط من قدر الآخرين، وتسفيه عقائدهم وقناعاتهم.
يخطئ من يظن أن التعصب الديني مقتصر على المسلمين. فتاريخيًا، كان التعصب للمذهب منتشرًا في أوروبا قبل عصر التنوير، فالمذاهب المسيحية المختلفة كانت تندد وتكفر بعضها بعضًا، حتى وصل الأمر إلى المواجهة المسلحة بين هذه المذاهب لفترة طويلة، واتهام كل طرف للآخر بالزندقة والخروج عن الدين الصحيح. وحصلت حروب طويلة بين البروتستانت والكاثوليك، ولم تخرج أوروبا من محنتها إلا بعد حركة التنوير، وقبول فكرة حرية العبادة، أو ما يطلق عليه التعددية الفكرية والدينية.
السؤال هل تستطيع الدول العربية والإسلامية الخروج من المأزق الذي نعيش فيه دون ممارسة نقد الذات، وحل الخلافات الدينية والمذهبية من خلال الحوار وتحكيم العقل والأخذ بمبدأ التسامح لحقن الدماء وإيقاف الحروب العبثية؟ هنا علينا أن نعي أن فكرة التسامح أمر مكتسب، وهي يأتي عن طريق التعليم والثقافة والتخلي عن الولاء القبلي والطائفي، وإحلال الولاء للوطن بدلاً عنهما.