خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من ظرفاء العراق

كثيرًا ما دأب الحرفيون على الغناء والفكاهة. اشتهر من هؤلاء عبد الله الخياط الذي رويت عنه الكثير من المقالب والممازحات. جاء رجل بدوي يومًا وفي يده قطعة قماش من أربعة أذرع وطلب منه أن يخيط له دشداشة منها. فقال له على العين والرأس. وعندما لاحظ الرجل هذا القبول السريع قال: لا، بل اعمل منها دشداشتين. على العين والرأس. فطمع الزبون بأكثر من ذلك. قال اعملها أربع دشداشات. وعبد الله الخياط يكرر على العين والرأس. عاد البدوي بعد أيام ليتسلم الدشداشات الأربع فإذا به يجد أربع دشداشات صغيرة لا تصلح لغير الدمى. وعندما ثار الأعرابي على ذلك استشهد الخياط بتحكيم أرباب الدكاكين في السوق فغصوا من الضحك عندما سمعوا بحجم القطعة التي جاء بها.
وكان مجلسه عامرًا بالفكاهة، ولكن ضيوفه كثيرًا ما استغلوا ضيافته. جاءه عدد غير قليل من أشراف بغداد دون موعد. ولم يملك عندئذ ما يقدمه لهم. لكن لم تمر إلا دقائق حتى وجدوا أمامهم سفرة عامرة بالطعام. أكلوا هنيئًا مريئًا ثم قاموا للانصراف. فلم يجدوا أحذيتهم. سألوه فأجابهم: أي قنادر؟ ما انتو أكلتوها الآن. قالوا: ما هذا؟ أكلنا قنادرنا؟ قال: نعم. جئتم بغير موعد، تنتظرون الطعام، وأنا رجل مفلس. لم يكن لي غير أن أبعث بأحذيتكم رهنًا عند المطعم ليعطيني من الأكل ما أكلتم. ابعثوا له بفلوس الأكل وفكوا أحذيتكم من الرهن. فضحكوا على المقلب.
ومما روي عنه أيضًا أن امرأة استوقفته في الطريق وطلبت منه أن يقرأ لها رسالة وصلتها من ابنها الجندي.
وكانت رسالة سيئة الخط إلى درجة يصعب قراءتها. فظل عبد الله الخياط ينظر في الرسالة محاولاً فهم
ساورتها أفكار سوداوية كما نتوقع. تصورت أن ابنها ربما مات أو جرح أو أصابه مكروه، راحت تتوسل بعبد الله الخياط أن يقول لها ما في الرسالة وهو عاجز أن يرد عليها بأي شيء. فازدادت مخاوفها فانفجرت بالبكاء والنحيب. لم يجد الرجل مفرًا من أن يعتذر لها ويقول إنه لم يستطع قراءة الرسالة مطلقًا. وعندئذ ثارت عليه المرأة وقالت: ما تقدر تقرا سطرين مكتوب ولابس هالعمامة هالكبرها على راسك. على إيش لابسها إذن؟ فنزع عبد الله الخياط العمامة من رأسه ووضعها على رأسها وقال لها: هه! تفضلي. حطيت العمامة على راسك. تفضلي اقري المكتوب.
معظم الظرفاء يعيشون على فكاهاتهم ومقالبهم. وكذا كان يفعل عبد الله الخياط. والاسم عبد الله اسم شائع عندنا في العراق. وهكذا صادفه حمال في الشارع محملاً بكيس أرز وسلة فواكه ولحم وخضراوات. وسأله الحمال، وين بيت السيد عبد الله. فوجهه عبد الله الخياط إلى بيته.
ولم يكن في ذلك كاذبًا. وعندما أدرك صاحب البضاعة ما حصل، لم يجرؤ على مطالبة الخياط بما وصله. اعتبرها نكتة ومقلبًا آخر فضحك وتناسى الأمر.