حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الغاية قد تبرر الوسيلة

نعم الغاية «قد» تبرر الوسيلة، والميكافيلية ليست شرًا كلها بل مطلوبة في بعض الأحايين، بل قد تفرضها المصلحة، ظن الكثير أن الغاية النقية لا يصلح أن تصل إليها بوسيلة ملوثة، ورموا كل من برر غايته الصحيحة بوسيلة خاطئة بأنه بلا مبادئ ولا أخلاقيات. أثار الموضوع انتخاب صديق خان لمنصب عمدة مدينة لندن، ورموه بكل نقيصة، لأنه زار كنيسًا يهوديًا واعتمر قبعتهم، ونافح عن ضحايا المحرقة النازية، واتخذ موقفًا رخوًا من العلاقة مع إسرائيل، وحين قيل لمنتقديه ومهاجميه إن دخول المواطنين المسلمين الغربيين في معترك السياسة في دولهم مطلب تفرضه المصالح الكبرى، ردوا بأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والصحيح أن الغاية هنا تبرر الوسيلة، وتعززها القاعدة الأصولية المعروفة التي تجيز ارتكاب مفسدة صغرى في سبيل تحقيق مصالح كبرى.
ومن تتبع كثيرًا من المسائل الفقهية التي تعرضت للنوازل «السياسية»، وجد أنها قد أباحت ما كان ممنوعًا في الأصل، وحرمت ما كان جائزا في الأصل، وأن مرحلة الاستضعاف، كما هو حال الأقليات المسلمة في الغرب، تجيز لهم ما لم يكن مقبولا في مرحلة القوة والتمكن والاستعلاء الحاصلة في أوطانهم الأصلية، وهذا ما فرض وجود «فقه الأقليات» الذي يجيز لهم ما لا يجيز لمن يسكن أوطان المسلمين.
ويظن الكثير من الناس أن ارتكاب المحظور لا يجوز إلا في حالات الضرورة، مثل ألا يجد ما يأكله إلا الميتة، أو حين يعطش ولا يجد إلا الخمرة، وهذا غير صحيح، فقاعدة ارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين، ودفع المفسدة العظمى باحتمال أدناهما، كلها تدل على أن ارتكاب المفسدة لا يربط دومًا بالضرورة، وهذا ما فعله الخضر عليه السلام عندما خرق السفينة؛ فقد كان في خرقه لها ضرر، ولكنه فعل ذلك ليدرأ ضررًا أشد، وهو شر الملك الذي يأخذ كل سفينة غصبًا.
السياسي المتدين والصديق البريطاني ذو الأصول الباكستانية السيد أفضل خان عمدة مدينة مانشستر السابق، وعضو البرلمان الأوروبي ونائب اللجنة الأمنية فيه، خاض تجربة شبيهة بتجربة السيد صديق خان، وارتكب عددا من المحظورات السياسية والاجتماعية الصغيرة في سبيل تحقيق مصالح كبرى للأقلية المسلمة وحقوقها ومطالبها، بل تعدى في مناشطه السياسية في البرلمان الأوروبي إلى مناصرة قضية فلسطين في الهامش الذي يسمح به العمل الحزبي.