طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

سوريا مقبرة «حزب الله»

العنوان أعلاه ليس ثوريا، ولا شعارا دعائيا الهدف منه رفع معنويات أبناء الثورة السورية، وإنما قراءة واقعية لما يحدث على الأرض في سوريا، واستشراف لمستقبل هناك، أكاد أجزم أن حسن نصر الله نفسه يعي مخاطره جيدا الآن.
منذ 2008، ومرورا بالثورة لليوم، شهدت سوريا مقتل الكثير من قياديي ومقاتلي «حزب الله» على أرضها، وتحديدا أربع قيادات عسكرية مهمة، ميدانيا، ومعنويا. قبل الثورة تمت تصفية الإرهابي عماد مغنية (أسامة بن لادن الشيعي)، ووسط قبضة نظام الأسد الأمنية حينها، وبعد الثورة تمت تصفية جهاد ابن عماد مغنية، وكذلك سمير القنطار، وآخرين، وأخيرا وليس آخرا، وقبل أيام تمت تصفية مصطفى بدر الدين القيادي البارز، والمهم بـ«حزب الله». ولا تكمن أهمية مصطفى، أو «الشبح»، بقائمة الجرائم الإرهابية التي ارتكبها فقط، ومنها اتهامه بقتل الراحل رفيق الحريري، وإنما القصة أعقد.
مصطفى بدر الدين هو ابن عم عماد مغنية، وشقيق زوجته، وعلى أثر اغتيال مغنية خلفه مصطفى في رئاسة الأجنحة العسكرية والإرهابية لـ«حزب الله»، وهو، أي مصطفى، أعلى قائد عسكري لـ«حزب الله» في سوريا منذ أربعة أعوام، وكان يتواصل مع الإيرانيين والروس، وأركان نظام الأسد، كما ذكرت بعض التقارير أن مصطفى كان يحضر اجتماعات يشارك فيها بشار الأسد نفسه، وأحيانا حسن نصر الله! ومقتل مصطفى هذا يأتي بعد مقتل ثلاثة عشر عسكريا قياديا إيرانيا بسوريا مؤخرا، هذا عدا عن مقتل قيادات إيرانية، ومقاتلين من «حزب الله»، سقطوا في سوريا بأوقات متفاوتة أواخر العام الماضي، ومطلع هذا العام، وكل هذه الاغتيالات أو التصفيات اللافتة وقعت والأجواء السورية تحت سيطرة الروس، ومع نشوة كبرى لنظام الأسد، وادعاءات دعائية بالنصر المزيف، فما دلالات كل ذلك؟
الإجابة بسيطة، فأيًا كانت الظروف في سوريا، سواء سيطر النظام، أو سيطر الروس، أو بفقدان الأسد لأجزاء كبرى في سوريا، وهذا الواقع الآن، فإن سوريا هي مقبرة «حزب الله» بالأمس، وذاك بسبب غدر نظام الأسد نفسه، وهذا طبعه، واليوم، وغدًا، لأن «حزب الله» أوغل بالدم السوري، ولأن سوريا اليوم باتت مسرحا مفتوحا للجميع، وليس بمقدور «حزب الله» النجاة فيها، وكان مصطفى بدر الدين نفسه يردد، بحسب بعض الصحف اللبنانية المقربة لـ«حزب الله»، أن «البيئات السورية مختلفة عن البيئات اللبنانية سياسيا، وديموغرافيا، وجغرافيا». وهذا صحيح، والقادم أكثر تعقيدا.
وعليه، فأيا كانت أسباب اغتيال مصطفى بدر الدين، سواء تصفية داخلية، أو من قبل فصائل سورية، أو عملية إسرائيلية بتغاضٍ روسي، كما حدث باغتيال قنطار، فإن الواقع يقول إن سوريا مقبرة لـ«حزب الله»، وستكون كذلك، وليس بالداخل السوري وحسب، بل وفي لبنان، ولو كان بـ«حزب الله» عقلاء لأدركوا ذلك. سوريا ليست دولة صغيرة، جغرافيا وسكانيا، مقارنة بلبنان، وبالتالي فإن يد الدولة السورية، منهارة أو قوية، ستكون ثقيلة على ظهر «حزب الله» الذي أوغل كثيرا في الدم السوري.

[email protected]