سوسن الأبطح
صحافية لبنانية، وأستاذة جامعية. عملت في العديد من المطبوعات، قبل أن تنضم إلى أسرة «الشرق الأوسط» بدءاً من عام 1988، كمراسلة ثقافية من باريس، ثم التحقت بمكتب الجريدة في بيروت عند افتتاحه عام 1995. تكتب بشكل رئيسي في المجال الثقافي والنقدي. حائزة درجة الدكتورة في «الفكر الإسلامي» من جامعة «السوربون الثالثة». أستاذة في «الجامعة اللبنانية»، قسم اللغة العربية، عام 2001، ولها دراسات وأبحاث عدة، في المجالين الأدبي والفكري.
TT

انتخابات بلدية.. ولكن

لا تشبه الانتخابات البلدية اللبنانية التي تبدأ الأسبوع المقبل، ما قبلها، فهي تأتي بعد تمديد للمجلس النيابي لمرتين متتاليتين، بذريعة واهية، هي استثنائية الوضع الأمني، وفي ظل تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لما يقارب السنتين. تأتي بعد أن تكدست النفايات أطنانًا، تهدد المواطنين في حياتهم وصحتهم، وانخفض مستوى الخدمات التي يفترض أن تقدمها الدولة، إلى أدنى مستوياتها. إحساس يجتاح المواطنين، بأن بلدية عفية، قد تكون قادرة على التعويض، وإنقاذ العباد من بعض التدهور المتسارع، المفروض عليهم.
العطش إلى صناديق الاقتراع كبير، بعد ست سنوات من الانقطاع الجبري، والرغبة في التغيير أكبر. الطموح شيء، وتحقيق الآمال شأن آخر. لكن رائحة التمرد تشتم قوية في مناطق كثيرة. يصل الراغبون في التغيير أو يحبطون من المقترعين وقبلهم السياسيين، فكل صعود يحتاج وقتًا وتدرجًا وخبرة، وما نراه اليوم ليس بالسوء الذي كنا نعتقد.
قد لا تكون الانتخابات الحالية هي الموعد/ المفصل الذي أعتابه ستحدث المفاجأة الكبرى المرتجاة، لكن حراك العائلات والشبان والناشطين الغاضبين، يحدث ديناميكية مفرحة على الأرض.
مجرد ترشح لائحة «بيروت مدينتي» في العاصمة بعناصرها المدنية، وفنانيها، ومهندسيها، ونسائها الذين يشكلون مناصفة عادلة مع الرجال، أبهج القلوب. ثمة رأي يرجح بأن اللائحة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري باسم «البيارته» لها حصة الأسد، وأن لائحة ثالثة جزئية أطلقها وزير العمل السابق، المشاكس شربل نحاس، لن تبصر النجاح أيضًا. قد يخسر الجميع أو يخترقون، لائحة الائتلاف السياسي التي يقال بأنها ستتربع على مجلس بلدية بيروت، شرف المحاولة يكفي، ليعرف من يصلون إلى الكراسي، أن لهم من ينافسهم وقد ينتزع منهم مقاعدهم، إن لم يقوموا بواجباتهم.
رغم أن الانتخابات البلدية في لبنان إنمائية ومحلية بالدرجة الأولى، وتزن فيها العائلات ثقيلاً، فإن السياسة لا تزال تجتاحها بقوة. تتداخل العناصر العائلية بالسياسية حتى لتظن أن ثمة ما يجعلها وحدة يصعب فصلها. من هنا، أهمية تحرك المستقلين، حين يوجدون، وما أندرهم!
التحالف بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر الذي غالبًا ما ينضم إليه حزب الكتائب، يجعل المناطق ذات الغالبية المسيحية في قبضة الأحزاب. والأمر نفسه ينطبق على المناطق ذات الغالبية الشيعية، حين يتحالف «حزب الله» مع «حركة أمل». يقال إن زحلة ستشهد أم المعارك بين العائلات والأحزاب، حين تتمعن قليلاً، ترى أن العائلات نفسها اكتسبت وزنها من السياسة لا من خارجها. فالكلام على العائلات في زحلة، يعني أنك إما أمام لائحة يعلنها النائب السابق نقولا فتوش، أو أخرى تشكلها ميريام أرملة النائب السابق إلياس سكاف، على اعتبار أن العائلتين من صلب المنطقة ومن يديرون اللائحة المسماة سياسية وتضم قوات وعونيين وكتائب، هم من خارجها.
بارقة الأمل، لا تتأتى من ذكاء الطبقة السياسية التي تثبت لمرة جديدة، أنها عاجزة عن الخروج من قمقمها، بل من الضغط الشعبي الذي يتبرم من التعاطي المستهتر، بعد أن أنجبت القوى السياسية في المرات الماضية، مجالس بلدية، في غالبيتها، مشلولة ونفعية.
ففي الجنوب كما الشمال والبقاع، وحتى في بيروت، بدت البلديات، في أحيان كثيرة، كما هيئات تخريبية، بدل أن تجتهد لتجعل حياة المواطنين أفضل. في بلديات كثيرة، اتفقت أحزاب وتيارات، لا يربطها غير العداء، على لوائح، ما إن وصلت إلى المجالس حتى انقسمت على نفسها، ولم تتحد إلا لتمرير المشاريع المشبوهة.
ثمة حذر هذه المرة، من تكرار التجربة، فبمجرد أن اجتمع نواب طرابلس وفاحت رائحة توافق سياسي بين المختلفين بالأمس على لائحة بأعضاء ورئيس، حتى تذمر الأهالي، واعترضوا وسخروا ممن يأتيهم بمجلس بلدي فوقي، وبدأت الدعوات لتشكيل لوائح منافسة. المشهد البلدي الانتخابي لا يزال ضبابيًا، والنتائج يصعب التكهن بها، إلا أن الاختراقات المبهجة سيكون لها مكانها، والكوة في الجدار الصلد، يجب أن تفتح من هنا.
بلدية جبيل، بدت دائمًا نموذجًا يحسد ويشتهى. السؤال حول سر بيبلوس التي اختيرت تكرارًا مدينة للسياحة والجمال رغم صغر حجمها، بقيت موضع تساؤل من الناخبين في المدن والبلدات المحرومة من الانتعاش. هكذا يتبين أن بلدية عفية، بمقدورها أن تتغلب على مشكلة النفايات والكهرباء وحتى الكساد والعطالة. يذهب القلق بالبعض إلى القول، إن تعليق الآمال الكبار على البلديات، وتحميلها أعباء النهوض، إن هي نجحت، قد يكون تعزيزا لمبدأ الفيدرالية وما يستتبعه من تقسيم، قد يصل إلى لبنان بالعدوى من الجوار. ولعل الإجابة تكون بأن مجلسًا بلديًا ذكيًا ومواطنين نبهاء، يعرفون أن التقسيم، يقطع أرزاقهم، ويقلل من نسبة الأكسجين في هوائهم.
الخوف ليس من بلديات لها رؤيا وطموح، وإنما من مجالس انتهازية وحمقاء، لا همّ لأعضائها سوى تسلق المراتب على ظهور المواطنين، واختلاس ما في جيوبهم.
سيذهب المقترعون إلى الصناديق بدءًا من الأسبوع المقبل، وكل منهم يحمل في حنجرته الصرخة التي أطلقتها المخرجة الموهوبة نادين لبكي، وهي تضحي بوقتها الثمين، وبجزء من تفرغها للسينما، لتترشح لانتخابات بلدية بيروت.
نادين التي تساءلت: «كيف لبلدية لها فائض مليار دولار، ولم تزرع شجرة تحت بيتي من 6 سنين؟ كيف لها فائض مليار دولار، وما زال أولاد يلعبون (الفوتبول) بين السيارات؟ والزبالة جبال على طرقاتنا؟ لماذا حين تمطر السماء لا يصل الناس إلى أشغالهم؟ وثلاثة أرباع مبانينا التراثية بالأرض؟».
الأسئلة كثيرة، والإجابات شحيحة، ليس في بيروت فقط، بل في الغالبية الساحقة من المدن والبلدات اللبنانية. وحده الاختيار الصائب في صندوق الاقتراع، يمكن أن ينقذ بلدًا ينهار صدأ، وتحاصره النيران، من أن يقضي انتحارًا أو اختناقًا.