خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حكمة أخرى من الهند

بين كل الآثار والتحافيات التي أخذت تتدفق على العواصم الغربية من قصور صدام المنهوبة، بندقية كلاشنيكوف مصفحة بالذهب عثروا عليها مهربة من العراق، كانت شيئًا أثار استغرابي وتساؤلي، فهي تحتاج إلى بعض التأمل. ما حاجة رئيس جمهورية لهذا السلاح؟ ولماذا صفحوها بالذهب؟ إنها تمثل وتجسم ذهنية ذلك النظام. ولكن هذا الهوس بالسلاح كان يلفت نظري، فكلما كان يريد أن يبالغ في إكرام شخص يبادر فيهديه مسدسًا أو بندقية، وهو ما فعله مع الشاعر مظفر النواب عندما زاره. أعطاه علبة أنيقة، فتحها فوجد الهدية مسدسًا وطقمًا من الرصاص. ما الذي يفعله شاعر حساس كمظفر النواب بمسدس؟!
هذا الهوس بإهداء مسدسات لضيوفه يذكرني بتلك الحكاية الهندية ذات الموعظة البليغة. قالوا إن أحد ملوك الهند، وكان طائشًا مستبدًا من نوع صدام حسين، اغتصب العرش. ثم سجن حكيمًا فيلسوفًا انتقده. طبعًا لو كان صدام حسين لعذبه وقطع لسانه ثم أعدمه. ولكنه كان ملكًا صاحب روية وحكمة. اكتفى بسجنه. بعد بضعة أشهر، جاءه عدد من عقلاء البلاد ليتوسطوا لديه لإطلاق سراح ذلك الفيلسوف العالِم. قالوا للملك: كيف تسجن هذا الرجل العالم الذي لا يوجد شيء في العالم فات على علمه؟ إنه يعرف كل شيء. فأجابهم الملك: سأطلق سراحه إذا كان فعلاً كما تقولون، يعرف كل شيء. سأمتحنه وأتأكد. جاءوه بذلك الفيلسوف، فجعل الملك يسأله أعوص الأسئلة وأغربها، والفيلسوف يجيب. وكان كلما أعطى جوابًا صحيحًا كافأه الملك، وأمر بإعطائه رغيفًا من الخبز. وراحت الأرغفة تتكدس أمامه عن كل أجوبته الصحيحة. واقتنع الملك في الأخير بغزارة علم هذا الرجل، واعترف بأنه كان يعرف كل شيء. وقرر عندئذ الإفراج عنه.
ولكن الفيلسوف وهو في طريقه للخروج التفت إلى الملك، وقال: يا سيدي سألتني شتى الأسئلة، وأجبتك عنها. ولكنك لم تسألني هذا السؤال الواحد. قال له الملك، ما هو؟ قال الفيلسوف، لم تسألني عن والدك. لم تسألني ابن من أنت؟ ضحك الملك، وقال: حسنًا، حزر ابن من أنا؟ ومن كان والدي؟ أجابه الفيلسوف، كان والدك خبازًا. استغرب الملك من دقة جوابه. اعترف له بأن والده كان كذلك. ثم سأله، ولكن كيف عرفت أن والدي كان خبازًا؟ أجابه الفيلسوف: لأنك كنت تكافئني بإعطائي رغيفًا من الخبز. لو كنت ابن ملك لأهديتني هدايا الملوك، ولكنك ابن خباز فتهدي الناس شيئًا من الخبز.
تذكرت الحكاية على هامش هدايا صدام: مسدسات وبنادق. لا أريد أن أقول إن أباه كان يصنع مسدسات وأسلحة، فلا أحد من أهل العوجة يستطيع أن يصنع شيئًا غير أن يزرع ويبيع البطيخ. صدام حسين كان يهدي أسلحة نارية لضيوفه لأن ذويه كانوا قطاع طرق، وهو ما قاله فيه خاله ووالد زوجته طلفاح. كان هو الذي ربى صدام. وقال فيما بعد في تصريحاته للصحافيين، إنه رباه على الروح التعرضية، أي يتعرض بالناس، كما يقول.