مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

الوابلي.. والفريح

يعد الكاتب السعودي الدكتور عبد الرحمن الوابلي، الذي غادر دنيانا قبل أيام، من علامات الانبعاث الفني السعودي بالسنوات الأخيرة.
شكّل الراحل الذي ولد 1958 نصا خاصا تعاون به مع الفنان السعودي المعروف ناصر القصبي، سواء في مرحلة «طاش ما طاش» مع رفيقه الفنان عبد الله السدحان، أو ما تلا ذلك من مراحل مثل مسلسل «سيلفي»، في «إم بي سي»، ومعهم الكاتب خلف الحربي.
هذه المجموعة أخذت على عاتقها الحفر في الصخر، خاصة في كتابة النص، الذي هو أصل الجودة أو الضعف في أي عمل فني. النص هو حجر الأساس الذي يشيد عليه قصر الفن.
يأتي المرحوم الوابلي من خلفية أكاديمية تاريخية، فهو حصل على تأهيله العلمي حتى درجة الدكتوراه في مجال التاريخ، من السعودية وأميركا. ربما هذا منحه بصيرة في الرؤية ساعدته في بناء نصه الفني الخاص.
هو إلى ذلك رجل من رجال التنوير والاعتدال والسلم، كاره للظلام والجنوح وفكر الإرهاب والتزمت. لذا حزن لرحيله كل محب للنور، وشمت بوفاته كل مقتات على الظلام.
رحيل المبدعين خسارة كبيرة، صعبة التعويض، مثل المخرج السعودي سعد الفريح. بهذه المناسبة أشكر مؤرخ الإعلام السعودي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، الذي نبّهني لوهم وقعت به في مقال سابق عن رحيل الفريح، فقد التبس عليّ تاريخ وفاته، فخلت أنه هذه الأيام، بينما كان رحيله في 2006، وربما يشفع لهذا الوهم غياب الفريح التام عن المشهد العام آخر عمره، فتوهمت أنه للتو قد رحل. بعدما قرأت تأبينا له بإحدى الصحف السعودية، الشبيلي كان قد كتب مقالة عن هذا الرائد سعد الفريح، الذي درس الإخراج بأميركا، وكان من جيل تلفزيون أرامكو، رائد البث التلفازي بالمنطقة، ومما ذكره الشبيلي بجريدة «الجزيرة» عن الفريح:
«لقد كان سعد الفريح، عاشقًا مختلفًا في علاقته بمعشوقته، منقطعًا - لدرجة البوهيمية، متسامحًا، لا يضمر، ولا ينافق، ولا يأبه بالأضواء، ولا يتزلّف، ولا يهتم بمنفعة أو ترقية أو منصب. أفلا يستحق مثل هذا أن يخلّد التلفزيون اسمه؟!».
نعم يستحق الفريح التكريم والتذكر، كما يستحق ذلك المبدع المستنير عبد الرحمن الوابلي. الذي كان آخر ما غرد به على «تويتر»، وهو المتعب القلب، في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي: «حفظ الله وطننا من كل مكروه».
السلاح الحقيقي الذي يخضد شوكة «الثقافة» الإرهابية، هو ثقافة حب الحياة، وصون السلم، وتكريس القيم الإنسانية، وهذا ما كان يفعله مثل الوابلي.
هؤلاء هم حملة النور. حرس الإنسانية.