طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

هل هو خطأ الأسد القاتل؟

بينما أعلنت واشنطن أنه من السابق لأوانه تحديد تأثير الإعلان الروسي عن الانسحاب الجزئي من سوريا على الأزمة، أو المنطقة، ومع تأكيد من المتحدث باسم البيت الأبيض بأن «المؤشرات الأولية هي أن الروس ينفذون (الانسحاب)»، يسارع النظام الأسدي للتبرير إعلاميًا بأنه ليس الطرف الأضعف الآن.
والسؤال الأساسي هنا هو: هل ارتكب بشار الأسد الخطأ القاتل مع الروس؟ وقبل الإجابة من المهم رصد عدة مواقف بالأزمة السورية. فمع انطلاق الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة في جنيف كان من اللافت للنظر تصريح وليد المعلم بأن «الأسد خط أحمر»، وهو ما اعتبرته المعارضة نسفًا للمفاوضات، بينما اعتبر المبعوث الدولي دي ميستورا، وبتصريحات لافتة، أن المرحلة الانتقالية بالأزمة السورية هي «أم المسائل»، مضيفًا أن الجميع وصل إلى «مرحلة الحقيقة». كما لمح دي ميستورا بأنه شخصيًا لم يبتدع شيئا، بل إنه ينقل ما جاء في بيان جنيف لصيف عام 2013 وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 عندما تحدث عن حكم جامع يتمتع بالصدقية، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات تحت إشراف دولي.
وبالطبع كان من اللافت تلويح المبعوث الدولي لسوريا، ومرتين في الأيام المنصرمة، أنه سيعود إلى مجلس الأمن الدولي، والراعيين الأساسيين للهدنة والمفاوضات، أي أميركا وروسيا، وخصوصًا في حال تبين له، أي ميستورا، أن الأمور ما زالت في طريق مسدود. ويحدث كل ذلك بينما تقول وكالة «رويترز» إن الروس قالوا الشهر الماضي «إن الأسد لا يسير بخطى متجانسة مع جهودهم الدبلوماسية»، وعليه فما الذي حدث؟ ولماذا فاجأ بوتين العالم بإعلان الانسحاب الجزئي من سوريا؟ هل ارتكب الأسد الخطأ القاتل بالكذب على بوتين، ومحاولة استخدامه، وكما استخدم إردوغان ذات مرة؟ خصوصًا أن الأسد يعتقد أن الكذب أداة من أدوات العمل السياسي؟ يبدو أن هذا هو الواضح، كما يبدو أن الأسد في ربكة، ولذا تقول مستشارته بثينة شعبان: «إذا سحب الأصدقاء الروس جزءًا من قواتهم.. هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تعود»، وهو ما ينافي الرواية الأسدية بأن الانسحاب الروسي كان نتاج اتفاق بين بوتين والأسد، والسؤال هنا هو: هل يعقل أن بوتين الذي أركب الأسد طائرة حربية بوسط الليل لتقله إلى موسكو يعتبره ندًا له، بل وقادرًا، أي الأسد، حتى على التشاور مع بوتين، ناهيك عن تحديه؟ لا يمكن.
ولذا يبدو، وأيًا كانت حسابات بوتين، أن الأسد ارتكب خطأه القاتل، وهو الكذب الذي يعد منهجه وأخلاقه، والأكيد الآن أن الأسد بلا غطاء، ومهما حاول القول. فالحقائق تقول إن الأسد كذب على الجميع، ومنذ خلف والده، ولن يتوقف عن الكذب، ويبدو أن كذبته الأخيرة، والقاتلة، ستكون مع بوتين، وإن حدثت فإنها لن تمر مرور الكرام.

[email protected]