ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

الشائعات وانحيازاتنا الكامنة

لا أذكر عندَ مَنْ بالتحديد ولكن تكرّرَ في حائط الـ«فيسبوك» أمامي عدد من التعليقات الشاجبة لتصريح مفترض للرئيس الفلسطيني محمود عباس يثني فيه على الدور العسكري الروسي في سوريا. لم أدقق في الخبر بل ونقرتُ عدة «لايكات» لأصدقاء انتقدوا ودانوا، وكنت على وشك أن أكتب تعليقًا مشابهًا. بعد ساعات قرأتُ توضيحًا لصديق يبين فيه أن التصريح المذكور لعباس لم يحصل وهو مجرد شائعة أو خبر ملفق كسيل الأخبار الكثيرة التي بتنا نتعثر بها كيفما اتفق. تذكرت حينها مثلاً صينيًا قديمًا، وفيه: «تتوقف الشائعة فقط عندما تصل إلى شخص حكيم»، ويبدو أن ذاك الصديق كان الشخص الحكيم الذي تحقق من الراوية وكذّبها فيما أنا وكثر آخرون لم نفعل.
لا شك أن أثر الشائعات التي تلحق بالشخصيات العامة متفاوت، فالتجارب تظهر أن من يتمتعون بصورة إيجابية عند الرأي العام يصعب تصديق أي كلام يصيبهم. فحيالهم يشعر المتلقون بضرورة التحقق من أي خبر يمس الصورة المثالية المنطبعة عنهم في الأذهان. لكن في المقابل تبدو الشائعات والمعلومات المغلوطة أكثر إقناعًا عندما تتفق مع صورة متصدعة للشخص المعني، أو تتفق مع مواقف سابقة له فيسهل حينها النيل منه. في حالة أبو مازن لعبت صورته ومواقفه وتحديدًا تصريحات سابقة له يثني فيها على الدور الروسي في المنطقة عاملاً حاسمًا في انتشار شائعة مديحه بالدور العسكري الروسي في سوريا.
طبعا يمكن للواحد منا أن يستذكر في ثوانٍ كمًا من أخبار وروايات يجري تداولها في الـ«سوشيال ميديا» بصفتها حقيقة دامغة فتبدأ بالتنامي والانتشار، بل وتبلغ الذروة قبل أن تذوي وتتراجع إلى نيران خامدة إما بفعل فقدان الاهتمام أو بفعل التثبت من زيفها. فها نحن نعيش اليوم زمن الإفراط في التواصل الإلكتروني وهذا التواصل لا يعكس ديناميات تقنية فحسب، بل يعكس أيضًا نمط تواصل ثقافي جديد. ففي صفحات «فيسبوك» و«تويتر» لم يعد مهمًا ما تخبر عنه الشائعة وإنما الصدى الذي يعقب انتشارها وما يتولد عنه من ردود فعل. في حالة الخبر الملفق عن موقف محمود عباس طالت ردود فعل الموقف من القضية الفلسطينية برمتها إلى حد التنصل من دعم الحق الفلسطيني. وهذا يصح على كثير من الشائعات التي تثير في متلقيها ما هو كامن من انحيازات وعصبيات فتظهر مواقف عدائية تتجاوز بمراحل الخبر الأول الذي سبب ردود الفعل. هنا تبدو الشائعة وسيلة لجس نبض من تنتشر بينهم فتخبر عنهم وعن انحيازاتهم ومواقفهم. فهم يرفضون تصديق ما يخدش من يحبون ويسعون إلى تهشيم من يكرهون.
في المحصلة، ليست هناك قاعدة واضحة للتعامل مع الشائعة سوى إعمال العقل والتحقق قبل التسليم بما يقال. قد تبدو هذه الفكرة بدائية وبسيطة لكنها تبدو الأمثل إزاء ظاهرة قديمة لا تزال تشغلنا وتزداد تعقيدًا مع تطور تقنيات التواصل والتفاعل. قبل سنوات كانت وسائل الإعلام تلعب دورًا مهمًا في التصدي للشائعات لكن هذه المهمة بهتت اليوم خصوصًا أن وسائل الإعلام هذه باتت ضحية للشائعات التي تظهر على الـ«سوشيال ميديا» فتكررها أحيانًا، مما يعطيها زخمًا أكبر. وفي حالتنا العربية فكثير من وسائل الإعلام تشارك بشكل مباشر في بث الشائعات والأخبار المضللة، مما يعطي منصات التواصل الإلكتروني دفعًا ومادة لا تنضب. وفيما نحن نواصل اكتشاف عوالم التواصل الجديدة ومعها ذواتنا يبدو من المفيد أن نتمسك بالمقولة الصينية التي تفترض قليلاً من الحكمة أمام اجتياح الأكاذيب.
diana@ asharqalawsat.com