طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

.. ولا يزال السؤال قائمًا

كتب الصحافي توماس فريدمان مقالاً بعنوان: «هل مواقع التواصل الاجتماعي مخربة أم بنّاءة؟» تحدث فيه، عما اعتبره «ثورات» أشعلها «فيسبوك»، ومنها الربيع العربي، لكن، وبحسب فريدمان، بمجرد انقشاع الغبار فشلت تلك «الثورات» في بناء كيان سياسي مستدام، وتساءل: «هل اتضح أن مواقع التواصل الاجتماعي نجحت فقط في تحطيم الأشياء لا في بنائها؟».
نقل فريدمان عن وائل غنيم، صاحب مدونة «كلنا خالد سعيد» التي ينسب إليها التسبب في إشعال ما حدث بمصر بداية 2011، الإجابة التالية: «نعم»، أي أن وسائل التواصل مخربة! ويقول غنيم: «قلت من قبل إنك لو أردت أن تحرر مجتمعًا، فكل ما تحتاجه هو الإنترنت. كنت مخطئًا، قلت تلك الكلمات عام 2011». ويقول غنيم إن الربيع العربي كشف عن إمكانيات مواقع التواصل، بيد أنه أظهر أوجه قصورها الرهيبة أيضًا: «نفس الأداة التي وحدتنا كي نسقط حكامنا المستبدين، هي نفس الأداة التي مزقتنا في النهاية». وينقل فريدمان أن غنيم قرر الصمت عامين للمراجعة، وأنه وصل إلى خلاصة منها: «تتحول النقاشات على الإنترنت سريعًا إلى غوغاء»، و«أصبح من الصعب تغيير آرائنا بسبب السرعة، فبسبب العجلة والإيجاز في الكتابة على مواقع التواصل، أصبحنا مجبرين على القفز إلى النتائج وعلى كتابة آراء حادة في مساحة لا تتعدى 140 حرفًا عن قضايا دولية معقدة»!
هذا مقال فريدمان، وكلام غنيم، الآن، بينما كتبت هنا عام 2013 بعنوان: «السعودية.. «تويتر» لا يعبر عن حاجة»، معلقًا على هاشتاغ: «الراتب لا يكفي الحاجة» حينها، واتضح لاحقًا أنه دشن من سوريا، قلت فيه: «على مدى قرابة الأعوام الثلاثة الأخيرة وكثر يبشرون بتأثير (تويتر) في السعودية، سواء على صناعة القرار، أو دوره في الحراك الاجتماعي، بل إن صحيفة غربية عريقة قامت بفرد قرابة نصف الصفحة الأسبوع الماضي لموضوع يناقش (هاشتاغ) سعوديًا بعنوان (الراتب لا يكفي الحاجة)! والحقيقة أن المتابع الرصين سيجد أن (تويتر) لا يعبر عن حاجة في السعودية. صحيح أنه قد يثير بلبلة، لكنه لا يخلق توجهًا»! وقلت إن «(تويتر) لا يغير في (القضايا المفصلية). (تويتر) مثله مثل وسائل التواصل الأخرى، حيث من الممكن أن يكون متنفسًا للدردشة، أو الشائعات، ونافذة لبعض طلاب الشهرة». وتمنيت الاستثمار بمراكز الدراسات بدلاً من «تويتر».
وختامًا، أنقل تساؤلاً طرحه دومينيك وولتون في كتاب «الإعلام ليس تواصلا» وهو: «نسأل عما يجعل النخب، لا سيما العلمية منها، امتثالية إلى هذا الحد، وغير محافظة على مسافة ساخرة مما يعرض على الجميع، كأنه مستقبل عالم الغد المشرق، في حين كان عليهم أن يكونوا في طليعة من ينظرون بتحفظ، ونسبية، إلى ثورة الإنترنت»، وبالطبع السؤال لا يزال قائمًا.

[email protected]