مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الحماقة أعيت من يداويها

ليس هناك إنسان على وجه الأرض إلاّ وأصيب (بالحمق) يومًا ما، ولو أردنا أن نطلق على كل إنسان صفة (أحمق) لمجرد أنه تصرف يومًا ما برعونة، لحكمنا على البشر جميعًا أنهم لا يعدون أن يكونوا جميعًا مجرد كائنات من الحمقى.
ولكن الحماقة أنواع ودرجات، وإنني شخصيًا كثيرًا ما أمارسها مع نفسي لأنني (أمون) عليها، غير أنني أتحاشى بقدر الإمكان ممارستها مع الآخرين لسبب بسيط وهو: أنني أخاف منهم، ولولا ذلك لجعلتهم دون مبالغة (كالعصف المأكول) من شدّة حماقتي.
والذي دعاني اليوم للكتابة في هذا الموضوع الأحمق هو ما قرأته عن رجل صربي، تشاحن مع زوجته بسبب شراكتهما في المنزل الذي يملكانه مناصفة، هو يريد أن يبيعه ويتسلم نصف ثمنه الذي هو حصته، ليسدد ديونه التي تراكمت عليه من كثرة تعاطيه للخمر ولعب القمار، فيما الزوجة ترفض ذلك وتطلب منه أن يعمل ويسدد ديونه بدلاً من التسكع طوال الليل بين الحانات والكازينوهات.
وكلمة منه وكلمة منها، ولطشها على وجهها، فخلعت هي بدورها حذاءها وضربته على وجهه، فاستشاط غضبًا واتجه إلى دولاب يخزن فيه بعض الأسلحة، حيث إنه كان مقاتلاً في جيش صربيا، وأصبح الآن متقاعدًا، وعندما شاهدته زوجته وهو يفتح الدولاب عرفت أن المعركة بينهما لم تعد متكافئة، فما كان منها إلا أن تطلق ساقيها للريح وتخرج من البيت هاربة وتلتجئ لمنزل الجيران.
وبدلاً من أن يأخذ الزوج الأحمق مسدسًا أو حتى بندقية فإذا به يحمل مدفع (بازوكا) من العيار الثقيل ويلحق بزوجته التي عرف أنها التجأت إلى الجيران.
وأخذ يناديها بصوته الجهوري من الشارع طالبًا منها أن تخرج إليه لكي يفجرها.
طبعًا رفضت الخروج، وفي هذه الأثناء كان الجيران يتصلون بالبوليس غير أن (السيف مثلما يقولون سبق العذل)، وأطلق الزوج الأحمق قذيفته الأولى ثم أتبعها بالثانية والثالثة على منزل الجيران يريد أن يهدمه على رأس زوجته، وكانت النتيجة أن المنزل تهدم فعلاً.
ووصل البوليس وألقوا القبض عليه، وعندما فتشوا ركام المنزل وجدوا صاحبه وأحد أبنائه قتيلين، فيما زوجة الرجل الأحمق تخرج سليمة لا يشوبها غير الغبار على وجهها وملابسها وفردة حذاء واحدة في قدمها.
وانتقل هو إلى السجن ومنه إلى حبل المشنقة، وانتقلت هي إلى منزلها واستأثرت به وحدها، بانتظار زوج جديد - على أمل أن يكون أكثر (حماقة) من الأول.
لا أدري إلى الآن هل التعلم على إطلاق مدفع (البازوكا) صعب أم سهل؟!، وهل هو سلس ويوفي بالغرض المطلوب وقت (المشاحنات)؟!.