علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

إنجاز المرأة المصرية

يبدو أن السياسة الدولية تدار إلى حد ما بالانطباعات، بصرف النظر عن الحقائق على الأرض أو محاولة فهم ما يجري، وهذا هو الانطباع الذي يتولد من موقف كثير في الغرب من التطورات المصرية بعد 30 يونيو، وإطاحة الإخوان المسلمين من الحكم، وهو موقف مفهوم إلى حد ما، وفقا لثقافة الديمقراطيات الغربية، التي تشعر بالقلق من تدخل الجيوش في السياسة، فكان الموقف انتقاديا مما حدث، لكنه لم يكن مفهوما من أطراف عربية وإقليمية لا تستطيع أن تدعي أن هذا جزء من ثقافة ديمقراطيتها السياسية.
كانت هناك أشياء مربكة للخارج في فهم المسيرة المصرية بعد 30 يونيو، أهمها أنه كان واضحا أن هناك دعما شعبيا تمثل في ملايين نزلت الشوارع ضد حكم الإخوان، ومع تدخل الجيش، ثم جاءت المرحلة الانتقالية وخريطة الطريق بمراحلها الثلاث، وسط موجة عنف وأعمال إرهابية كان همها الأول ضرب الاقتصاد، ونجحت بالفعل في ضرب أحد شرايينه المهمة وهو السياحة، لكن لم تتوقف المسيرة السياسية أو إعادة تحريك عجلة الدولة، وافتتاح مشروعات جديدة تعطي أملا للمستقبل، واكتملت المسيرة السياسية بالدستور، ثم انتخاب الرئيس وأخيرا انتخاب برلمان 30 يونيو بعد تأخير.
أحاط الجدل بهذا البرلمان، فنسبة التصويت لم تكن كبيرة، وهي في حدود ربع الناخبين المسجلين حسب الأرقام المعلنة، وهي قد تكون نسبة أقل من التصويت على الدستور أو انتخاب الرئيس، لكنها في النهاية كتلة كبيرة بالملايين عدديا من الناخبين الذين أرهقوا بالذهاب إلى الصناديق عدة مرات في فترة زمنية قصيرة، وهي نسبة تصويت تحدث في الكثير من الديمقراطيات الغربية، فعندما يكون هناك تصويت على قوائم وأسماء كثيرة يحدث التكاسل من الناخبين، ولا ينكر أحد أنها ظاهرة سلبية، لكن لا يمكن دفع الناس بالقوة فضلا عن أن هناك شفافية في الانتخابات والتصويت عليها، واختفاء لظواهر كانت موجودة سابقا لتوجيه النتيجة.
هي في النهاية سنة أولى ديمقراطية، وينبغي الحكم عليها من هذا المنظور، فلن تكون مثل الانتخابات في ديمقراطيات عريقة، فتقاليد هذه المجتمعات اكتسبت على مدار الزمن، ومن الطبيعي أن نشهد ظواهر مثل التي حدثت في الجلسة الأولى، وهي فرقعات إعلامية في المقام الأول.
لكن أبرز ما يجب أن يسجل لهذا البرلمان، هو أنه لأول مرة تدخل نحو 90 سيدة تحت قبته وهو رقم غير مسبوق، ويزيد على 15 في المائة من الأعضاء، وغالبية السيدات الأعضاء الجدد منتخبات في قوائم لتكتلات سياسية أو فزن في دوائرهن بعد معارك انتخابية، وهذا إنجاز كبير، مقارنة بانتخابات سابقة لم تكن المرأة تستطيع الدخول في البرلمان إلا بالتعيين.
إنها نسبة تعكس الحضور السياسي للمرأة المصرية في مسيرة 30 يونيو، وخريطة الطريق الخاصة بها، فقد كان هذا الحضور قويا سواء في النزول بالتظاهر في الشارع أو المشاركة السياسية في التصويت في الاقتراعات المتكررة على المراحل المختلفة لخريطة الطريق، أو الترشح وخوض معارك الانتخابات، وهو دور شجعته الدولة.
إذا وضعنا نظارة سوداء لا ترى شيئا إيجابيا في كل ما حدث، مثلما يفعل البعض، فإنه لا يمكن إلا اعتبار هذا التمثيل للمرأة في برلمان 30 يونيو إنجازا تاريخيا يجعل قاسم أمين سعيدا في قبره.