عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

هل انقلبت واشنطن على طهران؟

لا تدري من تصدق، وماذا تصدق من التصريحات الرسمية الصادرة من واشنطن، حول مواجهة «داعش» والنظام السوري، والإيراني أيضًا.
مع هذا، يمكنني القول إنني عثرت على تصريح مختلف لمسؤول أميركي، وجديد في مضمونه، وبسبب عدم الوضوح لا نستطيع أن نتكل عليه. أحد كبار مسؤولي الخزانة الأميركية تحدث في مركز تشاتم هاوس في لندن عن التعامل مع إيران. يقول، إن الولايات المتحدة وجدت أن إيران، حتى من دون قدرات نووية، تمثل خطرًا على أوروبا، وعلى العالم. وقال بوضوح تام، لا تزال إيران تتقدم حكومات العالم الممولة للإرهاب. فهي الداعم الرئيسي لحزب الله، وهي التي تزود بالسلاح المتطرفين في اليمن، وهي من تمكن نظام الأسد من العنف والدمار الذي يرتكبه في سوريا. وقال إن الحكومة الأميركية قررت أن تفرق بين رفع المقاطعة عن إيران الذي تستحقه بسبب توقيعها اتفاقية البرنامج النووي مع الغرب، لكن ستبقي على مقاطعتها وملاحقة شركاتها وأفرادها وكل من يتعاون معها في الجانب الإرهابي. باختصار يرى أنه لا فائدة من إصلاح سلوك إيران. وهو ما كنا نقوله من البداية. نظام إيران خطر ليس على مواطني إيران وشعوب منطقة الشرق الأوسط، بل بسببها كل هذه الفوضى والإرهاب.
ولأن الخزانة تعتبر من أهم الوزارات والمؤسسات التنفيذية للحكومة الأميركية، فإن ما صدر من تصريح نفترض أنه تعديل مهم، وإن لم يكن تراجعًا كاملاً، في السياسة الأميركية حيال إيران. وسيكون تطورًا مهمًا لو أنها فعلاً طبقت سياسة الرقابة على التحويلات المالية، وفتحت صفحة أخرى من العقوبات ضد الشركات الدولية المتعاملة مع إيران في الموضوعات المحرمة، مثل سوريا واليمن، سواء في تجارة السلاح أو الرصد الأمني أو العقوبات على الأفراد واستحداث القوائم السوداء من جديد.
بمثل هذه النشاطات يمكن أن تؤثر الولايات المتحدة على سلوك إيران في المنطقة والعالم، وفي الوقت نفسه ترجح كفة المعتدلين داخل إيران نفسها، الذين خسروا بسبب الانفتاح الكامل الذي اتبعته واشنطن مكافأة لها على توقيعها على وقف مشروعها النووي العسكري، الانفتاح عزز نفوذ المتشددين داخل النظام وأضعف المعتدلين بما فيهم الرئيس حسن روحاني مهندس الاتفاق من الجانب الإيراني. وسلاح واشنطن الاقتصادي يوجع كثيرًا، وقد يفوق تأثير مشاركتها العسكرية المباشرة، وذلك عندما تمارس الرقابة والملاحقة وعرقلة التحويلات المالية، خاصة تلك التي لا علاقة لها بأميركا نفسها سوى أنها تتم بعملتها الدولار. وكذلك عندما تضع قيودًا على الصفقات التجارية، وتخيف المتاجرين من السماسرة وباعة السلاح بتهديدهم بالقوائم السوداء.
وهذا كله رهن بصدق ما قيل، من أن واشنطن أخيرًا اكتشفت أن إيران لم تتخل عن سياستها دعم الإرهاب الذي يهدد العالم وأنها ستواجهه. فقد كان الأميركيون يظنون أن رفع الحظر سيدفعها نحو سياسة الاعتدال، وإذ بها توقد المزيد من الحروب في المنطقة، وأن الأموال التي حصلت عليها من رفع العقوبات الأميركية صارت تنفقها على صفقات سلاح من روسيا، التي استضافتها في محور عسكري نشط في سوريا والعراق ضد الغرب.

[email protected]