مارك غيلبرت
TT

أوزبورن يعدّ لخلافة كاميرون

تمتلك جميع الميزانيات الوطنية أهمية سياسية بقدر أهميتها الاقتصادية، لكنّ خطط الإنفاق التي قدّمها وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن، يوم الأربعاء الماضي، نموذج من الميكافيللية قدّمها سياسي عاقد العزم على أن يصبح ما يسميه رئيس وزراء بريطانيا الراحل بنيامين دزرائيلي «في قمة العمود الزلق».
ويشكل كل ظهور لأوزبورن خلال السنوات القليلة المقبلة جزءًا من سعيه للحصول على أعلى منصب في البرلمان. وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالفعل، إنه لن يرشح نفسه زعيمًا لحزب المحافظين في الانتخابات المقبلة؛ بمجرد الانتهاء من استفتاء الاتحاد الأوروبي، لأنه يفضل حينئذٍ الاستمتاع بأشعة الشمس. وهذا سوف يفتح منصب رئيس الوزراء لأي شخص يمكن لحزب المحافظين حشد الحزب الحاكم لمساندته.
ويعد أوزبورن هو المرشح الأوفر حظًا حاليًا لخلافة كاميرون، وفقًا لمكاتب المراهنات. لكنه يفتقر إلى كاريزما عمدة لندن بوريس جونسون، وهيبة وزيرة الداخلية تيريزا ماي، وهما أبرز منافسيه. وتكمن الميزة الوحيدة في سيرته الذاتية في إدارته للاقتصاد، حيث تبرز سمعته بسعيه لمحو عجز الموازنة وإعادة الاقتصاد إلى وجود فائض بحلول نهاية العقد الحالي. لذلك يعتبر وزير الخزانة في حكومة الظل البريطانية جون ماكدونيل محقًا في وصفه بيان الميزانية الحالي بأنه «تدشين برنامج انتخابي لقيادة حزب المحافظين». ويتمثل أحد العناصر الرئيسية في بيان الميزانية في تراجع أوزبورن عن اقتراح العام الماضي الذي لا يحظى بشعبية وأشعل شبه أزمة دستورية الشهر الماضي. وهدف الاقتراح إلى خفض برنامج الائتمان الضريبي الذي يساعد الأسر البريطانية الأشد فقرًا، لكنّ معهد الدراسات المالية حسب أن 13 مليون أسرة سوف تخسر ما متوسطه 260 جنيهًا إسترلينيًا (393 دولارًا أميركيًا) في العام؛ ويعمل من بين تلك الأسر 7.4 مليون شخص، وسوف يخسر كل شخص من هؤلاء 280 جنيهًا إسترلينيًا في العام. وقال المكتب المستقل للمسؤولية عن الميزانية، إن الزوجين العاملين ولديهما طفل واحد سوف يخسران كل الفوائد بمجرد بلوغ الدخل السنوي للأسرة 21 ألف جنيه إسترليني؛ حيث كانا يكسبان اعتمادات تصل إلى 27 ألف جنيه إسترليني. وفي خطوة غير مسبوقة، رفض مجلس اللوردات مشروع القانون.
واليوم، تخلى أوزبورن عن الاقتراح؛ فحوّل الكارثة إلى انتصار صغير عن طريق مقاومة الحاجة إلى إما العبث بالتخفيضات، وإما ببساطة تأخير بدء العمل فيها. وأظهرت عاصفة الانتقادات الخطوة الغريبة من وزير ساعد حزبه في الفوز بالأغلبية في الانتخابات في ظل دفاعه عن ضرورة التقشف.
وجدير بالذكر لأوزبورن، أن بإمكانه - من خلال العمل بفعالية كسياسي لقضية واحدة - تحمل أي عثرات اقتصادية تعوق طريقه إلى رئاسة الوزراء.
وعرض أوزبورن ما تبدو وكأنها رشوة إلى لندن، باقتراحه تقديم قروض من دون فوائد تصل إلى 40 في المائة من تكلفة منزل حديث البناء، لأولئك الذين يدفعون وديعة بنسبة 5 في المائة. وينبغي أن يساعد هذا مرشح حزب المحافظين زاك غولدسميث، عندما يختار الناخبون في العاصمة عمدة جديدًا العام المقبل.
وتتمسك الحكومة برسالة التقشف التي تطالب بتخفيضات مقدارها 12 مليار جنيه إسترليني من الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، مع توقع المكتب المستقل للمسؤولية عن الميزانية أن يؤدي انخفاض فوائد الدين وارتفاع ضريبة الدخل إلى تحسين مالية الحكومة. وبحلول عام 2020، تشير التوقعات إلى وجود فائض في ميزانية المملكة المتحدة مقداره 10.1 مليار جنيه إسترليني، مقارنة بعجز قدره 74.1 مليار جنيه إسترليني هذا العام.
وتعدّ هذه التوقعات طموحة، مع التراجع عن الأهداف السابقة وإزالتها. ومع توقع المكتب المستقل للمسؤولية عن الدفاع ألا يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 2.5 في المائة خلال أي من السنوات الخمس المقبلة، لن تأخذ أي رياح معاكسة من تباطؤ الاقتصاد العالمي وقتًا طويلاً لطرد المملكة المتحدة خارج المسار. وعلى الرغم من كافة مهارات أوزبورن السياسية والاقتصادية، فإنه لن يكون من المرجح سيدَ مصيره في الوقت الذي تبدأ فيه الانتخابات لزعامة حزب المحافظين بشكل جدي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»