سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

المولود الإضافي

قرار الصين بالسماح بمولود ثان في الأسرة، مهم جدًا على الصعيد الإنساني. أي أم لا تريد أكثر من ابن. كان القرار السابق بالابن الوحيد قاسيًا. وامتلأت الروايات الصينية الحديثة بحكايات ومآسي «تهريب» المواليد، أو المولود الإضافي. وكانت أم الحمل الإضافي غير المقصود تذهب إلى فئة تشبه خبرة اللحامين لكي يقوموا بعملية الإجهاض.
كانت هذه الوحشية في الماضي تمارس في الحروب. جيوش نابليون كانت توظف المنجِّدين واللحامين لمساعدة الأطباء لأن العمليات الجراحية لم تكن تتطلب أكثر من المعرفة باستخدام السكين والمنشار. لكن ماذا عن الوجه الآخر لقرار الحكومة الصينية، أي إضافة عشرات الملايين من الناس إلى بلد مؤلف من مليار و200 مليون نسمة عدا «السريين»؟ هل ستكون لهم أعمال لائقة ومدارس وجامعات ومستشفيات؟ يتزايد عدد سكان العالم بأكثر مما يحتمل، ويتزايد حجم البؤس والفقر والعذاب والحرمان والألم. يتحول شغف الأم بأن يكون لها ابن آخر إلى مأساة جماعية، بمجرد أن تُعطى كل أم ذلك الحق.
في أوروبا حدث العكس. بعد حربين عالميتين، لم يعد الأوروبي يرغب في أن يحمل إلى هذا العالم المزيد من البؤساء. لذلك، بلغ النقص في المواليد معدلات خطرة. ولهذا السبب لا تزال الكنيسة تحرم الإجهاض، مع أن الدافع ديني في الأساس.
أعترف أنني مع تنظيم النسل. العالم مكتظ بالمعذبين والبائسين والذين يأتون ويذهبون إلى هذه الحياة من دون أن يعرفوا معنى العيش. كانت المجتمعات الزراعية تُكثر من الإخصاب لأن الأسرة كانت في حاجة إلى أيد عاملة، والقبيلة في حاجة إلى مدافعين، والأرض شحيحة العطاء.
لم يعد لائقًا اليوم أن يأتي الإنسان إلى هذه الدنيا لكي لا يزيد دوره على دور الماشية. وما عاد له مكان في المجتمع – أي مجتمع – إذا لم يدخل إلى مدرسة ويتأهل للسباق البشري الصعب، ويستعد للتحديات التي لم تكن شائعة من قبل، الوظيفة والعلاج والثقافة والحدود البسيطة من حضارة الاستهلاك.
لم يعد ممكننًا القول سوف أعيش كما عاش أجدادي. أصبح ذلك مستحيلاً الآن. أنت تولد لمجتمع لو عاد إليه جدك لظن أنه في كوكب آخر. كوكب صعب عليه لا يقدر على العيش فيه. الحنين جميل، لكن لا أكثر.