ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

تحالف وائل وباسم.. والسوشيال ميديا

لنتأمل في المواجهة التي خاضها إعلامي مصري بارز ومهم هو باسم يوسف، ومعه الناشط والصحافي وائل عباس ضد حالة من حالات التدهور الإعلامي والذي جسدته المقدمة المثيرة للجدل ريهام سعيد. فهذه المذيعة التي أثارت أكثر من أزمة كانت آخرها إهانات وجهتها إلى اللاجئين السوريين في لبنان قبل أسابيع، عادت وصدمت المصريين والكثير من المتابعين العرب مجددا بأسلوبها حين استضافت ناجية من عملية تحرش واعتداء فانتهكت خصوصيتها عبر عرض صور شخصية لها، وكادت تبرر الاعتداء عليها عبر انتقادها لطريقة لباسها..
تلك الواقعة أثارت الرأي العام المصري والعربي فظهرت نقاشات وانتقادات واسعة لأداء المذيعة ومن يماثلها من إعلاميين وإعلاميات يلهثون خلف نسب مشاهدة عالية دون مراعاة لأي معيار مهني أو أخلاقي. هذا حصل قبلا مع مقدمين وإعلاميين ارتكبوا سقطات خطيرة ومهينة للصحافة وللجمهور ولألف باء المبادئ.
لكن هذه المرة تجاوزت ردود الفعل حدود الغضب والتعليق، بل سُجل خرق لافت أعتقد أنه يحصل للمرة الأولى، أعني ذاك التحالف بين شخصيات مؤثرة عبر السوشيال ميديا للضغط على المعلنين.
أطلق الناشط وائل عباس هاشتاغا ساخرا ضد المذيعة ودعا لوقفها، فتضامن الإعلامي باسم يوسف، ودعا الشركات المعلنة والراعية للبرنامج المعني إلى سحب إعلاناتهم ووعدهم بإعلانات مجانية على صفحته على «تويتر» التي يتابعها أكثر من خمسة ملايين شخص.
الدعوة والهاشتاغات جذبا متابعات هائلة، وفعلا ظهر حجم الاستياء وشعر المعلنون بضغط دفعهم إلى الرضوخ وسحب إعلاناتهم وإعلان ذلك سريعا عبر صفحاتهم على «تويتر» و«فيسبوك» ورد عليهم باسم يوسف بالثناء وتسمية الشركات بالاسم وهو أمر فعله متابعون كثر له.
شكل هذا التحالف التويتري بين شخصيات نافذة لدى الرأي العام ضد شركات الإعلان خرقا في سماء المواجهة التقليدي بين جمهور واسع مشتت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبين طبقة من الإعلاميين المتمترسين على الشاشات يتفوهون بأي شيء وكيفما اتفق مستكينين، إما إلى ولاء مطلق إلى السلطة غامزين من قناة مدحها وذم من يعاديها، وإما لاعبون على وتر الإثارة بهدف جذب مشاهدين ومعلنين وهذا أيضا يدور في فلك السلطات عادة في بلادنا. كانت العقدة هنا. لم يعد كافيا أن تقتصر الإدانة على هجوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينتهي مفعوله سريعا ولم تعد حملات السباب والشتائم تغير من حقيقة أن مثل هذه النوعية من المقدمين والمقدمات لا تزال في صدارة المشهد الإعلامي، مستفيدة من الجدل حولها بصفته عاملا لزيادة الجماهيرية، بل بات أمرا يسعى خلفه هؤلاء باعتبار ذلك شهرة ولو من الباب السلبي. حدثت عملية ضغط من خارج معايير المواجهة التقليدية.
لم ينتظر أحد قضاء وقوانين قد تجد سبيلا إلى التلاعب بها، إذ كانت هناك حاجة لأسلوب من خارج الصندوق، وهذا فعلا ما تحقق في المواجهة التي خاضها الثنائي عباس ويوسف.
في حالة هذه الإعلامية تدخلت السوشيال ميديا لتصويب أداء الإعلام التقليدي ونجحت عبر استخدام آليات السوق. هذه الآليات التي لطالما مثلت النجاح الأبرز في الغرب عبر جعل هذا الإعلام في متناول المستهلك ومنحازا إلى مصلحته عبر حقيقة أن الرأي العام هو الذي يمول الإعلام الحر وليست دولا أو مصالح أو شركات.
السوق هذه المرة معطى إيجابي في أداء الإعلام، وليس وسيلة لتسليع المادة الإعلامية. في الوضع الحالي المطوق أمنيا وسياسيا وإعلانيا حدث خرق مهم. وهذا الخرق ليس في وجه شخص بعينه بل في وجه منظومة كاملة، فالمذيعة التي سببت هذا الخرق لا تمثل نفسها فقط، فهي لم تستمر في أسلوبها الجارح والفضائحي وحيدة من دون دعم وتمويل وتشجيع، لكن ما حصل في الأيام الماضية من ضغط أحرج المعلنين والراعين لها.
مرة أخرى، الانتصار الذي حصل مهم ويبنى عليه من دون أوهام كبرى حول القدرة على مواجهة تحالف إعلاني سلطوي بسهولة، لكن ما شهدناه بداية مهمة.