توفيق السيف
كاتب سعودي حاصل على الدكتوراه في علم السياسة. مهتم بالتنمية السياسية، والفلسفة السياسية، وتجديد الفكر الديني، وحقوق الإنسان. ألف العديد من الكتب منها: «نظرية السلطة في الفقه الشيعي»، و«حدود الديمقراطية الدينية»، و«سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي»، و«عصر التحولات».
TT

«مؤشر كورونا»

لعل الكاتب السعودي الزميل عبد اللطيف الضويحي هو أول من استعمل تعبير «مؤشر كورونا» في مقال نشرته الأسبوع الماضي جريدة «عكاظ» السعودية. وهو واحد من بضع مئات من المقالات نشرتها الصحافة المحلية السعودية حول الموضوع. لكن الضويحي خصص مقاله لمساءلة الجامعات السعودية عن جهودها في مجال البحث العلمي، بعدما وجدها – كما قال – مشغولة برفع موقعها في التصنيفات العالمية للجامعات، بدل انشغالها بإنتاج العلم الذي يستحق العناء.
عبّر الضويحي بوضوح عن جوهر المشكلة التي تؤرق المهتمين بتطور العلم في المملكة. ولهذا أضم صوتي إلى صوته، وأتساءل معه: «هل كنا بحاجة لأربع سنوات من عمر فيروس (كورونا)، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة لدراسة هذا الفيروس أو إجراء تجارب عليه؟».. «هل كنا بحاجة لثلاثين سنة منذ اكتشاف سوسة النخل لأول مرة، حتى انتشرت إلى معظم مناطق المملكة ومزارع النخيل، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة - حسب علمي - بدراسة أو علاج لهذه السوسة؟».
هذه المقالة الساخرة في جانب، والمؤلمة في جانب آخر، نموذج من شعور عام بالارتياب في التكافؤ المتوقع بين الميزانيات الضخمة المخصصة للتعليم الجامعي، ومخرجاته، على الصعيد العلمي خاصة.
في منتصف 2010 أطلقت جامعة الملك سعود موجة عظيمة من التفاؤل، يوم أعلنت عن نجاح النموذج الأول من سيارة «غزال» التي دشنت في احتفال باهظ التكلفة، لكنها ما لبثت أن تنصلت من الموضوع، حين وصفته بأنه «مشروع بحثي»، رغم أنها يوم الإعلان الأول استضافت عددا من رجال الأعمال، وحدد مسؤولوها قيمة الاستثمار المتوفر، وتكلفة المنتج النهائي، وتاريخ البدء في التصنيع، وما أشبه ذلك من معلومات تنفي أنه مجرد «مشروع بحثي».
نعلم طبعًا أن «غزال» تحولت لاحقًا إلى نكتة في أفواه الناس، ومثال على سلسلة طويلة من الإخفاقات في القطاع الأكاديمي، لكننا لم نعلم ما إذا كانت هذه وأمثالها قد خضعت للمراجعة والمحاسبة من جانب أي جهة، سيما مجلس الشورى السعودي، الذي يفترض أنه مسؤول عن التفريط في المال العام وآمال العامة.
المسألة على أي حال ليست «كورونا» ولا «غزال».. المسألة أننا نملك – على الورق على الأقل – عددًا غير قليل من المنظومات الإدارية التي تستهلك قدرًا غير قليل من المال العام، مقابل ما يفترض أنه بحث علمي أو إشراف على الأبحاث العلمية أو توطين التقنية. المفترض أيضًا أن جامعاتنا لم تعد «فتية» أو «حديثة التأسيس»، كما يقال عادة في سياق الاعتذار. جامعة الملك سعود، وجامعة المؤسس، وجامعة البترول، تجاوزت الأربعين من العمر الآن، وتخرج فيها مئات الآلاف من الطلبة في شتى التخصصات، لكننا ما زلنا نستنجد بشركات أجنبية حين نحتاج إلى تصميم مصنع أو جسر على طريق، أو بناية كبيرة، أو مدينة جديدة. وسمعت قريبًا أن المؤسسة العامة للتعليم المهني منحت شركة بريطانية مئات الملايين من الريالات مقابل تصميم برنامج لتطوير المعاهد المهنية والكليات التقنية. وأعلم أن شركات أجنبية هي التي تبني المصانع ومصافي البترول.
ترى أين الخلل؟
المسألة ليست فقط في قدرة الجامعات على تقديم حلول لحاجات البلد ومشكلاته؛ بل في موقع القطاع الأكاديمي ككل ضمن النظام الاقتصادي والثقافي للبلد. ترى هل دور الجامعات منحصر في توفير موظفين للدوائر الحكومية، أم الارتقاء بالمستوى العلمي للبلد، أم بحث مشكلاته وحلولها؟ إذا كنا نؤمن حقًا بالطريق العلمي لفهم وحل مشكلاتنا، فأين هو المكان الطبيعي لهذا العلم.. أليس الأكاديميا الوطنية؟
بعبارة أخرى: ألم يحن الوقت لوضع جردة حساب، توضح أسباب فشل الأكاديميا الوطنية في تحقيق أغراضها؟ ألم يحن الوقت كي نضع النقاط على الحروف فنعيد هيكلة التعليم الجامعي، على نحو يجعله قناة واقعية لانتقال العلم وتوطين التقنية في بلدنا؟