علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

النكتة والاستبداد

الاختصار هو أهم ما يميز النكتة. هي جسم قوي مكون من العضلات فقط وليس به جرام شحم زائد. من هذه الناحية هي سلاح من أسلحة البشر الدفاعية. وإذا كانت الحرية تنتج النكتة، فالاستبداد أيضا ينتجها بوفرة. ونكت الاستبداد قادرة على أن تنتقل من بلد لبلد ومن جنسية إلى أخرى، فتكتسب جنسية أهل هذا البلد. ولأن ملامح الاستبداد واحدة في كل زمان ومكان. لذلك كانت مرحلة الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق تمثل العصر الذهبي للنكتة المضادة للاستبداد. كان الاتحاد السوفياتي بالفعل هو أعظم مصدر لهذا النوع من النكت. وفور خروج النكتة من الحدود السوفياتية كانت تكتسب جنسية البلد الذي انتقلت إليه.
أما في مصر وبعيدا عن دائرة المثقفين، فمن المستحيل أن تجد نكتة لها أصل أجنبي. وإذا وجدت فهي بالقطع سخيفة. ربما لأن لدينا كنوزا من السخافات والعبثية ما يضمن إنتاجنا الدائم من النكت المحلية المتعلقة بالاستبداد.
عثرت بعثة الآثار المصرية على تمثال فشلوا في معرفة اسم صاحبه وذلك لغموض اللغة المنقوشة عليه. ولكن أحد هؤلاء العلماء الذي كان يعمل في جهاز المخابرات فبل ذلك قال لهم: اتركوني مع هذا التمثال نصف ساعة فقط.
فخرجوا من الغرفة. وبعد نصف ساعة خرج في حالة إجهاد شديد وقال لهم: التمثال بتاع فشخ فشخون رئيس وزراء الملك بخ بخ التاني.
فسألوه مبهورين: كيف عرفت..؟
فأجاب: اعترف..
قيلت هذه النكتة في مرحلة كثرت فيها الاعترافات في التلفزيون.. لا يوجد ما يسمى بالحقيقة، توجد الاعترافات فقط، حتى التماثيل الحجرية ستعترف، حتى الصخور ستتكلم لأنها عاجزة عن تحمل ما سنفعله بها.
النكتة إذن سلاح دفاعي لا يمكن القبض على صانعه، فقد اشترك اللاوعي الجمعي للشعب كله في صنعه. ولكن هذا المنتج يختفي من الأسواق في حالة واحدة وهي أن يكون الشعب قادرا على الفعل وهذا ما حدث في حكم جماعة الإخوان لمصر، تخلص منهم الشعب بغير نكتة واحدة.