محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الفظاظة معدية!

الفظاظة حيلة الضعيف لإظهار زيف قوته. وليست الفظاظة بسبب سوء التربية فقط، فكم من فظ يخشاه الناس لفظاظته وهو سليل أسرة يشار إليها بالبنان لنبل أخلاقها. ذلك أن الفظاظة سلوك يجرب الفرد من خلاله تفريغ همومه في الآخرين، فإذا نجح داوم عليه فأصبح سلوكًا دائمًا.
في البلدان المتقدمة، مثلاً، التي تحكم على التصرفات العنصرية بعقوبات رادعة، ينتظر العنصريون فيها لحظة الزلل أو الخطأ لهذا الوافد ليصب عليه المواطن جام غضبه ووقاحته، فهذا هو المتنفس الوحيد ليفرغ فيه بفظاظة كراهيته وعنصريته البغيضة.
وقد يكون الحل في تقليل تداعيات الفظاظة عبر قراءة حقوقنا وواجباتنا جيدا في العمل أو عند التعامل التجاري أو في القوانين العامة. فحينما ندخن، مثلا، ونضرب بعرض الحائط لوحة «ممنوع التدخين» في بلد صارم في تطبيق القوانين، فلا بد أن نتوقع أن يعنفنا من حولنا. هنا تكون مواجهتنا معهم عقيمة لأن الحل هو الاعتذار وعدم تكرار الفعل. وقد تكون الشكوى أحيانا أفضل حل للرد على موظف لا يحترم الزبائن لإيقافه عند حده.
وقد لفتتني دراسة حديثة لجامعة فلوريدا نشرت قبل أسابيع، ولم تنشرها بعد الصحف العربية والإنجليزية، تشير إلى أن «الفظاظة معدية في أروقة العمل لأنها تنتشر مثلما ينتشر الزكام»، حسبما ذُكر في نصها الأصلي. وتبين أن الفظاظة تنتشر ليس لفظيًا فقط بل حتى كتابيًا، وتتحول أحيانا إلى عنف لفظي لمجرد أن الفرد تعرض لأسلوب فظ في التعامل. وقالوا إن «الزكام قد ينتهي من دون مضاعفات، غير أن الفظاظة تأتي بعواقب وخيمة على الناس في مؤسساتهم»، وإن الناس قد لا يتنبهون إلى مصدر سلوكهم العدواني ثم سرعان ما ينتشر هذا السلوك من دون توقف.
مشكلة الفظ أنه لا يعلم أن فظاظته تمنحه انتصارًا مؤقتًا وزائفًا سرعان ما يدخله في ورطة أخرى. فليس كل أحد يقبل بالإساءة فضلا عن أن هناك من يرد الإساءة بأعنف منها ويرد الصاع صاعين. وعادة ما يتكالب على الفظ كل من حوله ويتحينون منه زلة للانتقام.
إن من اختار أن يكون فظّا أو خشنا بكلامه وسلوكه تتحطم معنوياته وسمعته يومًا بعد آخر ويخسر المحيطين به. ولذا قال تعالى لخير البشر صلى الله عليه وسلم: «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ».