نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

حماس.. بين تقاطع النيران وتقاطع الإغراءات

قبل دقائق من كتابة هذه المقالة، أعلنت إسرائيل عن عزمها القيام بأوسع عملية تسهيلات لغزة، عبر فتح المنافذ الحدودية، وزيادة عدد العاملين في إسرائيل، وتسهيل السفر عن طريق الأردن.
ولم يخلُ الأمر من رهان إسرائيلي مباشر، على أن هذه التسهيلات «السخية» لا بد أن تحقق نتائج فعّالة، عجزت عن تحقيقها حرب الجرف الصامد، التي يُحتفل بذكراها السنوية الأولى هذه الأيام.
وقد استقبلت حماس هذه التسهيلات بحفاوة بالغة، ما يعني تلقائيًا التزامها بالشروط الإسرائيلية المحفوظة عن ظهر قلب، وهي شروط لا تختلف في مضمونها عن الشروط المفروضة على السلطة في رام الله، لهذا أعلنت حماس عن أنها غير معنية بأي مواجهة جديدة مع إسرائيل، وأنها ستبذل جهودًا لإقناع المتحفظين على العلاقة الجديدة بينها وبين إسرائيل، بألا يقوموا بأي عمل يخل بالمعادلة الجديدة، فإن اقتنعوا فسيكون ذلك أفضل المراد، وإن لم يقتنعوا وأقدموا على أي عمل منفرد، ففي غزة من السجون ما يكفي لإيوائهم وإيواء غيرهم.
على أن بوادر شهر العسل مع إسرائيل تواجه معارضة شديدة من قبل قوى نافذة لا تزال ترى في هذا التوجه الحكومي سياسة مدمرة، ستؤدي إلى منح حماس الوقت والإمكانات لتطوير قدراتها اللوجستية والقتالية، إضافة إلى إخراجها من الضائقة المالية الخانقة التي لا تزال تطبق على عنقها جراء الحصار وصعوبة وصول الأموال من الحلفاء، وخصوصًا أن هذه الأموال قد تقلصت بصورة ملحوظة في الأساس.
إلا أن إسرائيل وهي تشهر سلاح التسهيلات، تعمل على تطوير الإشكالات القائمة بين حماس ومصر، مراهنة على نقل عبء مقاتلة حماس إلى المصريين، وذلك من خلال التحريض المباشر الذي أساسه إيراد قرائن على تعاون فعّال، تقول إسرائيل إنه يجري على قدم وساق بين الجناح العسكري لحماس ومجموعات «داعش» في سيناء، التي «تقول» إسرائيل إنها أبرمت تفاهمات مع حماس بمقتضاها تقوم «داعش» بتسهيل التهريب إلى غزة، لقاء خدمات تقدمها حماس لـ«داعش» داخل غزة وحتى في سيناء ذاتها.
مصر من جانبها وهي تحرص على عدم التماهي مع إسرائيل تجاه حماس، وتبدو يقظة تمامًا من التكتيكات الإسرائيلية، تقوم بعملية ترويض متأنية لحماس كي تتعاون، وأهم ما تريده مصر هو أن تكف حماس أو أجنحة منها عن الدعم أو المشاركة في أي تهديد للمصالح الأمنية المصرية في سيناء، وكلما أقدمت حماس على مبادرات ملموسة وفعّالة في هذا المجال فإن مصر ستسجل ذلك في خانة الإيجابيات التي تستحق المكافأة.
على السطح يبدو أن حماس تتلقى وعودًا مهمة بامتيازات كانت محرومة منها على الصعيدين المصري والإسرائيلي، إلا أن هذا النوع من الوعود والاشتراطات، يمكن أن ينقلب إلى نقيضه تمامًا، أي تقاطع نيران، وسيكون حتمًا أقسى وأشد مما كان عليه في سنوات ما قبل استخدام سلاح التسهيلات، وذلك يرتبط بقدرة حماس على سداد الفواتير المصرية والإسرائيلية بصورة مستقرة، فإن فعلت يستمر تقاطع الإغراءات وإن أخفقت يعود تقاطع النار، هذه هي المعادلة الآن.