حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

قراءة «داعش» من خلال ابن ملجم

العملية الانتحارية التي نفذها في المسجد أحد «دواعش» العصور الأولى الخارجي عبد الرحمن بن ملجم، واستهدفت الخليفة القوي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تتقاطع مع صفات «دواعش» هذا الزمن، فالروايات تذكر أن ابن ملجم لم يكن صنيعة للفرس ولا عميلاً للروم، ولا يهوديًا تستر بالإسلام لتنفيذ مؤامرة، كما أنه لا يتبع لخلية سرية أسسها للانقضاض على الخلافة الراشدة، بل كان ورعًا تقيًا ووثق به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب فأرسله إلى مصر ليعلم الناس القرآن.
فلا نستغرب بعدها أن يفلت من حدودنا شاب تبدو عليه سمات التقى والصلاح ليفجر في السعودية أو في غيرها كما جرى مؤخرًا في الكويت بعيد التفجير الإرهابي الذي استهدف، ولهذا أدرك «داعش» تأثير الهيئات والسمات على الصغار فبث شريطًا صوتيًا للشاب السعودي الذي جندته لتنفيذ هذه الجريمة البشعة، وظهر في المقطع صورتان ثابتتان بدا فيهما شاب ملتح وضيء الوجه نظيف الثياب حسن الهندام، يتلو القرآن في إحدى الصورتين، وفي الثانية وهو يرفع السبابة وكأنه يتمتم بالشهادتين. ولا تسل عن محتوى التسجيل الذي أعد بعناية شديدة وهو يلامس وتر الدفاع عن العقيدة وحياض المذهب ويظهر الشاب وكأنه يشم نسائم الجنة التي ليس بينه وبينها إلا ضغطة زر على حزامه الناسف، لك أن تتخيل ماذا سيحدث حين يشاهد هذا «الخداع الإرهابي» غلام غر صفحته بيضاء.
هذا التسجيل يختزل المعركة الإعلامية غير المتكافئة التي تشنها التنظيمات المتشددة بالتزامن مع هجماتها الإرهابية التي زادت وتيرتها في شهر رمضان المبارك لتطال فرنسا وتونس والسعودية، وحين نصفها بغير المتكافئة فلأن صوت العقل والرزانة يتيه وسط ضجيج الإرهابيين ودعايتهم الاحترافية الخادعة، وأما الأبراج التي يبنيها الاعتدال وصوت العقل والنصوص الإسلامية السمحة فيهدمها الإرهابيون بمقطع خادع أو تسجيل ماكر كما انخدع المسلمون في عهد عمر بابن ملجم.
مثل هذا الشاب اليافع قد يدفعه الواقع العربي الذي يعيشه أو يصوره من جنده إلى الارتماء في حضن الإرهاب، ولا يزال المثقفون يتراشقون التهمة الكيدية في كل مرة يندلع فيها حريق إرهابي، كل طرف يرمي تهمة استنبات هؤلاء الإرهابيين على الطرف الآخر يتقاذفون بينهم الجمرة الملتهبة وكل طرف يلقي باللائمة على الآخر، واقتصرت محاولات حل مشكلة التشدد والإرهاب في تنظير لا يتجاوز الغرف النخبوية المغلقة أو البحوث الباهتة وأدوات الاستبيان المملة.
وفي المقابل بين يدي الغلام العربي هاتف ذكي يوصله إلى عالم الإرهاب الماكر بلمسة واحدة، ليرى مقطع فيديو احترافيا خادعا مراوغا يشاهد فيه شابًا «داعشيًا» معممًا يحمل بيده المفتولة العضلات راية التوحيد السوداء، ويتلو آيات الجهاد ومقاتلة المشركين ومجاهدة المنافقين وإقامة حكم الله في الأرض فيتلوث فكره بسرعة.
الداعشي عبد الرحمن بن ملجم لم يتعرض لخطبة مزج فيها أحد الصحابة الدين بالسياسة، ولم يكن ثمة مناهج تعليمية ولا مقررات دراسية، بل ولا وزارة للتعليم، والذين يعولون على فساد الحكام وانعدام الحريات في استنبات الدواعش يقال لهم كان عصر بن ملجم العصر الذهبي للعدل والخليفة المقتول من أشد الناس في إرساء أسس العدل، أذكر هذه الأمثلة لا لأنها لا تتحمل المسؤولية، بل لتكون نظرتنا شاملة وافية.
إن التشخيص الخطأ لظاهرة التشدد وحوادث التفجير الإرهابية، كتلك التي وقعت في الكويت مؤخرا، يقود للمعالجة الخطأ ما لم تتم المعالجة الصادقة المخلصة من جذورها الدينية والسياسية والفكرية والأمنية بعيدًا عن تصفية الحسابات الآيديولوجية.