تفاصيل تبدو صغيرة جدا في الحياة لكنها تستحق أن نتوقف عندها. مثلا، عاشق البامية الأميركي الذي ترك بقشيشا قدره ألفا دولار مقابل طبق لم يتجاوز ثمنه 100 دولار. إنه كما يبدو متذوق من الطراز الأول. سوف تسأل نفسك ما الذي أضافه الطاهي جيمس تارنر، الذي استحوذ بمفرده على نصف البقشيش، بينما كان النصف الثاني من نصيب صاحب المطعم والنادلة، كما أشارت إلى ذلك جريدة «الشرق الأوسط»؟ الإجابة هي أن الناس في ما يعشقون مذاهب.
بالمناسبة، ومن دون أي تحيز أو «شوفينية»، المطبخ المصري يتميز بطهي البامية، ولو كان مجنون البامية قد زار مصر ربما دفع ما هو أكثر. العشق ليس فقط في حاسة تذوق الطعم، ولكن المشاعر والأحاسيس لها أيضا نصيب. مثلا هذا الخبر «53 ألف دولار الثمن الذي بيعت به خصلة شعر الموسيقار النمساوي فولفغانغ أماديوس موتسارت في المزاد.. بينما الموسيقار الألماني لودفيج فان بيتهوفن بيعت خصلة شعره بـ12 ألف دولار فقط»، لا أتصور أن الأمر يحمل مقارنة بين عملاقي الموسيقى، فيصبح في هذه الحالة موتسارت يساوي قرابة خمسة بيتهوفن، لكنه تعبير عن شخصية موتسارت التي ارتبطت أكثر بالناس.
بيعت من قبل أحذية لمارلين مونرو بمبالغ مماثلة، وفي مصر مثلا باعوا منديلا لأم كلثوم، حيث اشتهرت سيدة الغناء العربي بأنها كانت تُمسك منديلا في يدها أثناء الغناء، وفسرت أم كلثوم السر بأنه الخوف من الجمهور الذي يجعل يديها تعرقان، وكلما ازداد نجاحها تشبثت أكثر بالمنديل، وهو ما دفع مطربة ظهرت بعد أم كلثوم إلى أن تعتقد أن السر يكمن في المنديل، فكانت تحرص على أن تقدم أغنيتها وهي ممسكة به أكثر من حرصها على ضبط صوتها على المقام الموسيقي. بعد رحيل أم كلثوم بيع منديلها في مزاد علني، وتردد أن ثمنه وصل لمليون جنيه مصري. كنا وقتها عام 1975، وكان الجنيه يتفوق على الدولار. الغريب أن ورثة المطربة المقلدة لأم كلثوم أرادوا أيضا بعد رحيلها أن يبيعوا منديلها فلم يحقق شيئا.
وتبعا لتلك الحالة من المفارقات إليكم مثلا الفارق بين بيع لوحات لكل من ونستون تشرشل، وأدولف هتلر. الاثنان دخلا التاريخ العسكري مع اختلاف الباب. بغض النظر عن التصفيق الذي حظي به الأول واللعنات التي انهالت ولا تزال على الثاني، فإن الاثنين كانا خصمين لدودين. لوحة تشرشل الأخيرة «حوض السمك الأحمر في شارتويل» بيعت بقرابة 3 ملايين دولار. وكانت أعراض الفن قد ظهرت على تشرشل أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو في الأربعين من عمره. بينما أدولف هتلر، الذي يصغر تشرشل بنحو 15 عاما، مارس الرسم في الخامسة والعشرين، وبيعت لوحته «الزهرية» مقابل 30 ألف دولار.
لا تعبر الأرقام هنا عن فارق في القيمة الإبداعية، ولكن عن الاعتزاز بتشرشل، على الرغم من أنهم يفسرون دموية هتلر وغطرسته العسكرية بأنهما رد فعل للفنان التشكيلي الفاشل المحبط. لا أتصور أن الأمر كذلك، فمثلا الرئيس الأسبق أنور السادات تقدم وهو شاب صغير في مطلع الثلاثينات إلى اختبار للتمثيل، ونُشرت فعلا صورته في الجرائد كأحد راغبي العمل في السينما، إلا أن المخرجة والمنتجة أمينة محمد رفضته قائلة إن وجهه ليس «فوتوجينيك». هذا لم يعن شيئا للسادات بعدها سوى أنه كان يردد ساخرا كلما التقى مع الفنانين تلك الواقعة.
دعونا نتأمل هؤلاء العاشقين للمقتنيات والمأكولات. أنت لا تدفع ثمن بامية جيمس ولا خصلة شعر موتسارت ولا منديل أم كلثوم ولا لوحة تشرشل، لكنه ثمن العشق المجنون، وكما غنت صباح «الغاوي ينقط بطاقيته»!
8:14 دقيقه
TT
شَعر موتسارت.. وبامية جيمس!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة