سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

دعهم يحلمون

نحن، الذين خارج مصر، لا علم لدينا، ولا وقت، وربما لا سبيل، لأن نقرأ أو ندرس حيثيات الأحكام التي تصدر في حق المتهمين السياسيين من «الإخوان». بعضنا ضد الإخوان، أبرياء أو مذنبين، وبعضنا معهم، أبرياء أو ضالعين. لكننا جميعًا مع مصر. أحيانا أكثر من الإخوان وأكثر من مؤيديهم وأكثر من معارضيهم.
نحن، في الخارج، كل ما نعرف وما لدينا الوقت لأن نعرف، هو أن قضاة مصريين يصدرون أحكاما بالإعدام في قضايا سياسية. ونعرف أن خلف القضبان، في عرض دائم، رئيسين مصريين سابقين، بصرف النظر عن مدة الرئاسة أو مدة السجن. ونعرف أن المتآمر على الدولة عقابه مقدّس مثل قَسَمه بالحفاظ عليها. ولكن هذه الصورة العامة أمامنا ليست مصر. وأنا الذي كتبت مرارًا عن ركاكة الدكتور محمد مرسي رئيسًا، وصورته يمثُل أمامه الدكتور هشام قنديل، أنا أعترض على الحكم عليه. وأنا، الذي كتب ما كتب خلال ربع قرن عن سياسات مصر، أعترض، على اعتبار المحادثات مع دولة عربية مستقلة، «تخابر».
جميعنا نعرف أن الحوار مع الإخوان صعب، أو مستحيل، أو عبثي لن يؤدي إلى شيء. جرب ذلك عبد الناصر والسادات ومبارك. لكن البديل ليس إقصاء أو سجن نسبة معينة من الناس.
كانت سجون مصر قبل الجمهورية خالية من السياسيين والصحافيين. وإذا غضبت على أحمد شوقي «نفته» إلى الأندلس، أو نفت بيرم التونسي إلى باريس. وبعدها ازدحمت السجون بالشيوعيين والإخوان والسياسيين والمعارضين، ومات في الإقامة الجبرية أول رؤساء 23 يوليو (تموز) محمد نجيب. هذه صورة أفضل أن تتغير، أن تعود مصر إلى زمن العفو والمصالحة والأحزاب الوطنية التي لها ولاء واحد هو مصر.
أنا لا أعرف كيف، وكل ما أعرفه هو أن أتمنى. ولا ضرورة لأن يقال لي إن القضاء المصري مستقل، لأن هناك ما هو أهم منه، وهي العدالة والرؤية وأخذ أمن مصر في الاعتبار. وقد يقال: «غدًا يصدر الرئيس السيسي عفوًا عامًا لأن مصر لن تسوق إلى الإعدام رئيسًا، أو مرشدًا، أو مجموعة». ولكن مثل هذا الأمر يجب ألاَّ يصل إلى الرئيس. هذا عمل المؤسسة المصرية الحامية. هذا دور الإدارة ورؤيتها. يجب ألا يكون هذا الموقف قرارًا رئاسيًا، بل قرار جماعي وطني، مثل قرار التشهير بالمتآمرين. وإذا كان هناك قاض شجاع قد حكم ببراءة الرئيس حسني مبارك، وجب أن يكون هناك قاض آخر يصدر حكمًا ملائمًا في حق محمد مرسي. وأحكاما غير قاسية في حق المسؤولين الآخرين عما فعلوه بمصر خلال فترة قصيرة من الزمن.
أحلم لمصر بالخروج من عصور السجن السياسي. هذا أمر يحققه الزعماء، لا كتّاب الأعمدة. ومصر أدرى بشعابها ونيلها ووادي الملوك. لكن الذين في الخارج يحلمون. دعهم يحلمون.