سعد المهدي
TT

هل تولد اليمن ثانية في مايو؟ا

يقول شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني:
ولدت صنعاء بسبتمبر..كي تموت بنوفمبر
لكن كي تولد ثانية.. في مايو أو في أكتوبر
مادامت هجعتها حبلى.. فولادتها لن تتأخر
رغم الغثيان تحن إلى:.. أوجاع الطلق ولا تضجر
ولعلها تكون واحدة من نبوءاته التي صدفت واقع اليمن في كثير من قصائده بعد رحيله وقد قرب القيد أن يترك المليحة صنعاء إلى غير رجعة لتعود لأهلها وناسها حرة كريمة كما هي بعد أن عانت ما عانته من استبداد وظلم كاد أن يستبدل بسلب إرادتها وعروبتها وكأنها رمضاء صالح أو نار الحوثي، لتنقضي العقود التي شوهت وجه اليمن وتركته عابسًا مليئًا بالندوب والحفر تماما في تشبيه أوجز به البردوني حال اليمن حين سئل عنه في مهرجان المربد فقال: إن أردتم أن تعرفوا اليمن كيف هي فانظروا إلى وجهي وهو الرجل الذي أفقده مرض الجدري بصره وترك في وجهه آثارًا لا تمحى.
ولعل في «مايو» القريب وليس «أكتوبر» تولد اليمن ثانية وقد أيقنت كل القوى في العالم أن عاصفة الحزم التي حزمت أمر إنقاذ اليمن لم تكن إلا قوة خير وسلام دحرا لشر وعدوان يشي بذلك تنامي التأييد الذي توج بقرار أممي واتساع مساحة الخروج الشعبي على الميليشيات الحوثية والتصدي لها وتوالي انشقاقات ألوية الجيش وانعتاقها عن سيطرة صالح والاعتراف بشرعية عبد ربه منصور هادي من شيوخ قبائل ومحافظات ما يعكس الصورة التي تجري على الأرض وتبشر بأن فرج اليمن قريب وأنه سوف يفنى كل قيد وقوى كل سفاح حتى وإن كان عطر الجرح باقي أيضا كما قال البصير البردوني.
في الرياض وكما هي في مدن ومحافظات سعودية أخرى وربما في قرى وهجر كنا وأشقاؤنا اليمنيون القدة بالقدة كانت المشاركة في العيش متداخلة على نحو لا أظنه جرى أو يجري بين شعبين على أرض واحدة برغيف واحد وشربة ماء واحدة هكذا أريد أن أصف كيف أن اليمني قد ذاب في تفاصيل حياتنا ومعاشنا وكيف أننا هضمناه حبا وألفناه أخا وغنينا سويا أنشودة الحياة على إيقاع لا تربكه مذهبية أو لا تغير لحنه طبقية، فكنا له يدا وكان لنا عونا وكان خوفنا عليه يجعلنا نسبق بعضنا وليس غيرنا للوقوف معه ومساعدته عقودا تلو أخرى في حوادث ومواقف دونها التاريخ كشاهد على أن السعودية دولة وقيادة وشعبا لم تفعل أو تضمر إلا الخير والحب لليمن واليمينيين، أبعد هذا يعتقد البعض من المغرضين أن هناك في اليمن من سيصدقه مهما أوغل في التحريض أو التشكيك أو صنع الأكاذيب وساق الأراجيف.
في المجتمع الكروي ربما أصدق القصص والذكريات التي توثق لشعبين اشتركا حتى في أدق تفاصيل الحياة وأوجهها ومناحيها من التجاور والتصاهر والعمل والتعامل إلى تقاسم مدرجات الملاعب والانتماءات للأندية وعشق النجوم وفيها وحولها قصص تستحق أن تروى لتعلمها الأجيال الجديدة في السعودية واليمن، اليمنيون كانوا يملأون مدرجات ملاعب الصائغ والصبان والملز ويعقوب ولعبوا مبكرا كلاعبين غير محليين في بدايات الدوري الممتاز، اليمنيون هؤلاء الذين نعرفهم لم يستغربوا أن لبت السعودية نداءهم ليس لأننا وهم الأقرب لبعضنا البعض من بلاد فارس أو وكيلهم في الضاحية. ولكن لعلمهم من نحن ومن أولئك. البردوني حين سألوه كيف تركت صنعاء، أجابهم زفت إلا شوارعها.. لكنها ستعود بعد كل هذه المحن سعيدة عزيزة وكل أرض اليمن بعبق التاريخ وإشراقة المستقبل المزهر بحول الله.