إميل أمين
كاتب مصري
TT

«الناتو العربي» والقلق الغربي

هل ولد الناتو العربي من رحم الأزمات الأخيرة التي حلت بالعالم العربي؟
الشاهد أن الدوائر الإعلامية والفكرية الغربية هي التي سَكَّت تعبير «الناتو العربي»، وقد بدا كأن هناك حالة من القلق تلف جميعها من هذا التطور الناجح غير المعتاد عربيًا.
هل لدى العرب أول الأمر ما يكفي لتشكيل قوة عسكرية فاعلة على الأرض؟
حكمًا أن الدول التي ستشارك في تشكيل هذه القوة تمتلك من الأسلحة المتقدمة جوًا وبحرًا ما يكفي لبناء كيان عسكري يعتمد عليه، ناهيك بالمخزون الاستراتيجي البشري، مما يجعل من «الناتو العربي» ورقة فاعلة ومؤثرة في التوازنات الاستراتيجية شرق أوسطيًا وفي الخليج العربي.
لماذا هم قلقون في الغرب من صعود القوة العسكرية العربية؟
يلفت النظر أن بعض الأصوات التي تحمل كراهية مجانية وحقدًا دفينًا في الصدور لكل ما هو عربي، تحاول وضع المشهد في إطار من الاستقطاب العقائدي، بمعنى أن القوة العربية الناشئة سنية المذهب، ولا هدف لها إلا مواجهة إيران الشيعية، كما ترى أن المملكة العربية السعودية هي التي تدفع في هذا الاتجاه، وهو أمر ينافي ويجافي حقيقة الحاجة العربية لدرع وسيف عربيين، وقادرين على درء الأخطار المحدقة بكل دولة على حدة، في زمن المؤامرات المستمرة والمستقرة.
من هنا يظهر زيف القول بأن هذه القوة العسكرية العربية القادمة برشد ووعي كبيرين، هي خطوة لإضفاء الطابع المؤسسي على الاستقطاب الذي من المتوقع أن يقود المنطقة نحو صراع كبير.
بعض الأصوات الإعلامية الغربية مثل «الفورين بوليسي» الأميركية حاولت أن تدس السم في العسل، فقد تحدثت عن وجود ما سمته بحوادث سابقة لهذا النوع من العمليات - عاصفة الحزم - منها هجمات التحالف العربي ضد إسرائيل في القرن العشرين وعملية التحالف العربي في اليمن في عام 1962، وكأن هناك أيضًا من يحاول أن يبعث برسالة لإسرائيل حتى تقلق.
فيما اتجاه آخر يتساءل: «هل سيحول العرب عداءاتهم التاريخية من إسرائيل إلى إيران؟ ما يفيد بأن هدف الناتو العربي بالضرورة التاريخية والحتمية القدرية صائر إلى المواجهات المسلحة وساعٍ إليها، في حين أن عنوان القوة العربية المشتركة الأعرض والأوضح هو الدفاع عن مقدرات العرب في أزمنة الهوان، ولرفع حرج الوقوف بأبواب البيت الأبيض، وما عداه من أبواب، في أزمنة الشدة وأيام العسر.
بعض الأصوات تحدثت بموضوعية وإن خرجت من أماكن مثيرة، مثل تومي ستينز، الباحث في معهد السياسة والاستراتيجية في مركز «آي دي إس» في هرتسليا، والذي أشار مؤخرا إلى أن «حلفاء الغرب من العرب لم يعودوا قادرين على الاعتماد على مظلة الجيش الأميركي فقط»، كما استنتج من عملية عاصفة الحزم درسًا رأى أن الأوروبيين يمكن لهم أن يتعلموه من الشرق الأوسط ويتمثل في كيفية الوقوف في وجه التهديدات الإقليمية، وعدم الاعتماد حصرًا على «إحسان الولايات المتحدة»، بحسب تعبيره.
وفي كل الأحوال فإن الدوائر الحاكمة في واشنطن وبروكسل تجيد لعبة التعامل مع الحقائق لا تجاهلها، ولهذا توصي بعضها بأن لا يقف الناتو الغربي في طريق سميه العربي، بل يتوجب على الأول دعم الثاني ومساندته لا سيما أن الحلف لديه سجل قوي من التعاون مع دول الخليج، والعهدة هنا على الراوي الكسندر فيرشبو نائب الأمين العام لحلف الناتو.
النرجسية المستنيرة عند صناع قرار الناتو تتحدث في الأيام والساعات القليلة الفائتة عن ضرورة أن يجعل حلف الأطلسي نفسه متاحًا أمام الدول العربية المكونة للقوة المشتركة من دون ضغوطات، لتقديم المشورة والتدريبات والمساعدة العسكرية، ومشاركة المعلومات، والدعم المادي والمساعدة العامة، مع توصية خاصة لواشنطن بتعضيد ناتو العرب ليس فقط بقدرات استخبارية ولوجيستية، ولكن بقوات إلكترونية وقوات تدريب خاصة ومركبات غير مأهولة، وأنظمة «ثلاثية جديدة»، يمكن تشغيلها دون الحاجة إلى قوة بشرية كبيرة.
عما قليل يتحول الحلم إلى واقع، حلم الوحدة والإرادة العربية الواحدة، فمشهد المخاطر القائمة والقادمة من حول العالم العربي تذكر بما لا يدع مجالاً للشك بنفس الأوضاع التي مرت بها أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكيف كانت مواجهة الستار الحديدي، وما شكله من مخاطر على الوجود الغربي طريقًا لتثبيت جذور حلف الأطلسي وأركانه، ومن ثم بروز الاتحاد الأوروبي.
لا يغيب عن ناظر المحلل المحقق والمدقق أن الناتو العربي له في قادمات الأيام استحقاقات وتبعات إيجابية، سوف تنعكس سياسيًا واقتصاديًا، اجتماعيًا وثقافيًا على دول القوة المشتركة، وكلها تعزز الروابط العربية وتدفع نحو المزيد من التكامل الإقليمي، بالضبط كما فعلت اتفاقية الفحم والفولاذ في أوروبا عام 1952 والتي كانت المقدمة الطبيعية لمولد الاتحاد الأوروبي.
الناتو العربي مهما قلق الشرق أو الغرب، بداية خلاقة لعملية طرح فكرة صياغة مشروع عروبي سيادي حقيقي، وتمكينه من معاني الفاعلية اللازمة في مرحلة تصاعد التهديدات والصراعات الدولية والإقليمية.