إميل أمين
كاتب مصري
TT

نتنياهو.. هل يشعل واشنطن ثانية؟

ذات مرة تحدث السياسي والصحافي الإسرائيلي «يوري أفنيري»، قائلا إنه «إذا أرادت إسرائيل سنّ تشريع بقانون تلغي بموجبه الوصايا العشر، لوافق 95 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في نفس اليوم ودعموا القانون الجديد».. هل يعني ذلك شيئا آخر غير القوة الضاربة للنفوذ الخاص بدولة إسرائيل في الكونغرس بمجلسيه؟ وهل الأمر اليوم موضوع على محك واحدة من أهم نقاط الافتراق بين واشنطن وتل أبيب؟
الثلاثاء القادم، سيلبي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدعوة التي وجهها له رئيس مجلس النواب جون بايز لإلقاء كلمة تاريخية أمام نواب الشعب الأميركي وشيوخه، هدفها الظاهر والباطن هو قطع الطريق على أي صفقة بين واشنطن وطهران، تتعلق ببرنامج الأخيرة النووي.
نتنياهو في مواجهة أوباما إذن، والرئيس الأميركي الذي تخلو صفحات إنجازاته الداخلية والخارجية من أي انتصارات سياسية، عازم على عقد الصفقة مع إيران كيفما اتفق له، حتى يضمن أن يكتب اسمه في سجل القياصرة الأميركيين.
هل سينجح نتنياهو في أن يبلغ مراده ويدرك مقصده؟ ثم هل لهذا الخطاب - الفتنة، إن جاز التعبير، أن يؤثر بالفعل على قوة ومتانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية؟
بداية، يمكن القطع بأن الجمهوريين الذين لديهم اليد العليا في الكونغرس الحالي غير مبالين في الأصل لملامح الاتفاق الأميركي - الإيراني المرتقب، لذا فهم في غير حاجة إلى تحريض نتنياهو، وهو مشهد كذلك ينسحب على الكثير من النواب الديمقراطيين.
أما عن أثرها، فقبل بضعة أيام تحدثت سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي، التي تمثل «القلب النابض» في إدارة الرئيس الأميركي ورأس الحربة، في فريقه القتالي، بالقول: «إن نتنياهو سيهدم العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة».. لماذا مثل هذا التعبير القاسي؟
باختصار، غير مخل لأن الأمر يعد تدخلاً إسرائيليا جامحًا في أحد أهم الملفات السياسية الأميركية الداخلية، الأمر الذي يمكن أن يطرح تساؤلات، ويثير التباسات عند رجل الشارع الأميركي حول عملية صناعة القرار الأميركي، ومن هو سيد البيت الأبيض، وصاحب الذراع الرفيعة في واشنطن: «نتنياهو بتأثيره على الكونغرس أم أوباما بصلاحياته الدستورية؟
هل لنتنياهو «مآرب أخرى» من الخطاب والزيارة؟
قطعا، إن الرجل الذي نشأ في بواكير حياته في نيويورك، قد تعلم جيدا أصول وقواعد البراغماتية السياسية الأميركية، وها هو ينفذها بحذافيرها، ففي رحلته التي يحاول فيها مستميتا إظهار أنه «أسد يهودا» الجديد، الذي لن يسمح بدياسبورا أخرى للشعب اليهودي، من جراء المخاوف من نووي إيران، عينه ولا شك على الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية القائمة على الأبواب، لذا يسعى لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، في حين يضعه منافسه يتسحاق هرتسوغ، زعيم حزب التحالف الصهيوني، في مأزق بإعلانه أنه لن يسافر إلى واشنطن لحضور قمة الإيباك، إذ لديه مقدرة على التأثير على المشهد الأميركي، وسياسات الكونغرس من الداخل الإسرائيلي وهو تصريح يتسق بالفعل والضغوطات التي يمارسها اللوبي المساند لإسرائيل في داخل الكونغرس، من عينة حملة التهديد والتخويف التي يقودها مورت كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية، لإجبار النواب والشيوخ على حضور خطاب أوباما، وعلى من يتغيب من دون تذكرة طبية - على حد قوله - سيدفع الثمن لاحقا، في إشارة إلى فكرة المنع أو المنح للتبرعات في زمن الحملات الانتخابية.
لكن، ماذا لو أخفق نتنياهو في ثني أوباما عن صفقته.. هل سيشعل له واشنطن ثانية؟
في نهاية التسعينات من القرن المنصرم عندما حاول بيل كلينتون الضغط على نتنياهو لإجباره على الوصول إلى صفقة سياسية مع ياسر عرفات، وقد رفضها نتنياهو ووقتها وجه تحذيرا لكلينتون، قال فيه «سأشعل لك واشنطن»، وقد فعلها عبر تفجير «فضيحة مونيكا لوينسكي» التي كادت تقود الكونغرس لعزل كلينتون، لولا الخوف على هيبة منصب الرئاسة من جهة، والرفض المبطن لأبعاد المؤامرة كما تبين للأميركيين.
هل يمكن لنتنياهو أن يفعلها من جديد؟
هناك بدايات نقاط ضعف تمثل أكثر مما هو «كعب أخيل» في جسد أوباما، وسياساته وعلاقاته لا سيما بتيار الإسلام السياسي حول العالم، والحديث هنا عريض ومتصل، ويستشري الآن في الإعلام الأميركي بصورة غير منقطعة، وبالقطع لدى تل أبيب حقائق خفية كثيرة يمكن أن تفعلها.
الأمر الآخر هو أن لدى إسرائيل خططها الجاهزة فعلا للمضي قدما منفردة في مهاجمة إيران، وهذا ما أشار إليه وزير الداخلية الإسرائيلي، جلعاد أردان، في أثناء المشادة الكلامية التي جرت بينه وبين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يدلين، خلال حوار على القناة الثانية من التلفزيون الإسرائيلي، إذ قال أردان (ليادلين): أنت تعلم جيدا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، منعنا من مهاجمة إيران عسكريا، وأن خطط الهجوم ضد إيران جاهزة وقد شاركت أنت شخصيا في إعدادها عندما كنت رئيسا لـ«أمان».. هل يعني ذلك أن نتنياهو يمكن أن يشعل لا واشنطن فقط بل الشرق الأوسط برمته هذه المرة؟
دعونا ننتظر ماذا سيقول نتنياهو في الكونغرس، وكيف سيكون رد أوباما عليه، وما بين الخطاب والرد، تبقى العلاقات الإسرائيلية - الأميركية على محك حقيقي غير مسبوق، ربما منذ أزمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وأخطر.