خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

حق «الطناش» مكفول!

في بريطانيا عندما كنا طلبة تائهين في شوارعها الكبيرة ومسارحها ومقاهيها وأنواع المطاعم التي تتناثر في الأزقة، في ذلك الوقت فاجأنا طالب عربي دخل في الحياة البريطانية كثيرا، واستفاد من صداقات؛ رجال ونساء معا، في أن يعرف كل ما لا يمكن أن يعرف الطلبة العرب المساكين.
كانت مفاجأة الرجل غير متوقعة حينما صرخ فينا ونحن نحتسى قهوتنا المرة بقول: «ألا تعلمون أنه يوجد في بريطانيا قانون، وهو مشهور وكل الإنجليز يعرفونه، وأقر منذ سنوات طويلة في البرلمان». وأكمل: «والقانون يا أصدقائي قانون بسيط، لكنه لا يوجد في أي دولة عربية، ولا حتى في دول العالم الثالث ولا حتى ربما الرابع!».
هتفنا في وجهه بغضب وقلنا بصوت واحد: «شوقتنا يا رجل! ما هذا القانون؟». ابتسم ابتسامة باهتة، وقال: «قانون حق الرد!».
في الواقع، كان الجميع مصدومين جدا، فقد كانوا يعتقدون أنهم سوف يستمعون إلى قانون يحلل الجنس مثلا، أو إلى قانون يبيح العربدة في الشوارع، وقانون أقر يطلب من الحكومة أن تزيد رواتب موظفيها، وأن تزيد من رواتبهم في المحنة أيضا.
انتهى الرجل من كلامه العبقري، ولكن ضحكاتنا والمسخرة عليه لم تنته طوال جلسة استمرت أكثر من ساعة.
المهم بعد كل هذا الوقت وأمنيات البعض، شرح لنا الرجل الحكاية وقال باختصار: «قانون حق الرد هو قانون قديم جدا في بريطانيا، وهو يعنى باختصار أن المواطن البريطاني مهما كان غنيا أو فقيرا أو أسود أو أشقر، بل حتى ولو كان متعلما أو أميا، فإن من حقه أن يحصل على رد من أي جهة حكومية كان قد أرسل لها رسالة أو طلبا يريد منها خدمة معينة هي طبعا من حقه.
بل إن العجيب في القانون هو أن هذا المواطن إذا أرسل رسالته بتاريخ معين هو مثلا 1 يونيو (حزيران)، فعلى هذه الجهة الحكومية أو الوزارة أن ترد عليه، وحدد القانون مدة الرد على المواطن بشهرين فقط، وطبعا برد مفصل ومقنع ولا يحتاج هو أن يذهب إلى تلك الوزارة ويذل نفسه أمام الموظفين والمسؤولين. فرده الكتابي يأتيه بالبريد السريع إذا كتبت الرسالة والرد وانتهى من كل شيء، تقوم بإرسالها له عن طريق البريد السريع، والسريع جدا أيضا.
أما إذا تجاهلت هذه الهيئة الحكومية رسالته، فتقوم لجان الشكاوى بالطلب منه أن يقاضيه هؤلاء الكسالى.
عربيا، عندما تذهب إلى المكان الذي أرسلت فيه تطالب بحقك وتعطيهم فرصة سنتين أو 4، وعندما تسأل عن موضوعك لا يكلف الموظف حتى بالرد عليك بكلمة مثل «نعم» أو «لا».
هل يعرف الإنجليز والغربيون عموما كلمة مثل «تطنيش»؟ أستطيع أن أجيب وأنا مرتاح البال: لا.. وبصوت عال.
متى نصل إلى هذه الحضارة؟ أطلب من كل مؤرخ أو كاتب ألا يتعب نفسه، فالمسألة تحتاج إلى قرون طويلة! بل إن «التطنيش» هو أفضل له!