زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

حفظ الله السعودية

رحم الله الملك عبد الله بن عبد العزيز.. أدى ما عليه نحو بلده وشعبه ونحو الأمة العربية والإسلامية، واستحق أن يستقر حبه في قلوب الناس جميعا بالعالم كله.
المشهد في مصر كان مؤثرا ولا بد من الوقوف عنده، حيث انتظم الأئمة والمصلون في المساجد بعد انتهاء صلاة الجمعة لأداء صلاة الغائب على الرجل الذي انتصر دائما لكل ما فيه مصلحة العرب ووحدتهم.
نعم، رحل الملك عبد الله عن دنيانا إلى رحاب ربه، ولكن من أبسط حقوقه علينا أن نذكر بمواقفه وسياسته في أصعب ظروف مرت بها بلاد العرب والعالم الإسلامي..
ومن منظور رجل تاريخ وحضارة أجد أن زيارة الملك عبد الله للفاتيكان في أواخر عام 2007 واستقبال البابا بنديكتوس السادس عشر له في أول زيارة من نوعها يقوم بها ملك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين الذي هو رأس العالم الإسلامي إلى الفاتيكان الذي يمثل العالم المسيحي، حدث تاريخي بكل المقاييس، وعمل ذكي صدم كل من كان لديهم أفكار خاطئة عن الإسلام والمسلمين.
كانت الزيارة مهمة واستطاعت ابتسامة الملك عبد الله وهو يسلم على البابا بنديكتوس السادس عشر أن تطعن المغرضين في مقتل، وقد أنفقوا مليارات الدولارات في كل مجالات الإعلام الغربي والأميركي لترسيخ صورة أن المسلم متعصب لا يقبل بالآخر.. بل نجحوا أيضا أن يستدرجوا البابا بنديكتوس السادس عشر إلى أن يصرح بتصريح يفهم منه أن الدين الإسلامي دين تعصب ومغالاة، وذلك في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2006، وكان لهذا التصريح ردود فعل غاضبة، واحتقان بين العالم الإسلامي والفاتيكان استغلها المحرضون في مزيد من التشويه المتعمد لديننا السمح العظيم.
وكانت الزيارة علامة فارقة وصورة مغايرة جعلت الغرب يتوقف عندها كثيرا، ويبدأ مفكروهم وإعلاميوهم في تغيير مواقفهم ومحاولة معرفة الإسلام عن قرب ومن دون وسيط.
أذكر يومها أن بيانا مشتركا من الملك عبد الله والبابا بنديكتوس السادس عشر خرج ليعلن أنه سيكون هناك حوار بين الثقافات والديانات يقوم على مبدأ الاحترام للآخر، وأن يكون الهدف التقريب بين الناس وبين الشعوب.
زيارة كهذه ينطبق عليها وصف الحدث التاريخي الذي يرصده المؤرخ ويوثقه لكي لا يضيع من ذاكرة الشعوب، ولكي يظل درسا مستفادا للأجيال القادمة.
أما عن الموضوع الثاني الذي يجب علي بوصفي أثريا أن أرصده، فهو ما حدث لآثار المملكة في عهد المغفور له بإذن الله الملك عبد الله. وليس أدل على اهتمامه رحمه الله بتراث بلده من أن السعودية استطاعت في عهده أن تضع مواقع أثرية غاية في الأهمية على قائمة التراث العالمي لأول مرة في تاريخ المملكة، بدأت في عام 2008 بتسجيل موقع مدائن صالح موقع تراث عالميا؛ وبعدها بعامين، أي في عام 2010، يتم تسجيل حي الطريف بمدينة الدرعية موقع تراث عالميا، وفي العام الماضي 2014 يتم تسجيل مدينة جدة التاريخية على قائمة التراث العالمي.
ما من شك أن نهضة غير مسبوقة في الحفاظ على التراث الأثري السعودي قد تمت في عهد الملك عبد الله رحمه الله، ولا ننسى فضل هيئة السياحة والآثار السعودية التي يرأسها سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الذي أحدث طفرة في العمل الأثري ومعه فريق متخصص وعلى مستوى عالمي.
حاضرت في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، ولمست بنفسي رغبته رحمه الله في نقل المملكة إلى مصاف الدول الأكثر إنفاقا على العلم والبحث العلمي وطلبة العلم.
نعم، كانت دموع سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، السفير أحمد قطان، أصدق تعبير عما لمسه من مشاعر المصريين وهم يتوافدون على مقر السفارة لأداء واجب العزاء في حبيبهم الذي ملك قلوبهم بمواقفه المشرفة التي أعلت مصالح مصر وشعب مصر وتحمل الكثير من أجلهم.
رحم الله الملك عبد الله بن عبد العزيز وحفظ الله السعودية، ووفق من حمل أمانة الحكم الملك سلمان بن عبد العزيز.