سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

يوسف الشاروني

توافقت دروس الآداب العربية على أن فن الرواية ولد في مصر وعلى يد محمد حسين هيكل في «زينب». وثمة توافق آخر وهو أن القصة بدأت، أو لمعت، مع محمود تيمور. وفي الحالتين تكون الريادتان مصريتين. ثم عندما تقدمت الأولى في اللغة العربية والأدب الحديث، ظهر توافق آخر، وهو أن نجيب محفوظ سيد الرواية. وتم تتويج ذلك بالشهادة العالمية من «نوبل». ولم يحظ الدكتور يوسف إدريس بنوبل، التي طالما طمح إليها وسعى في سبيلها. لكن توافقا عربيا شبه كامل اعتبر أن يوسف إدريس هو سيد القصة القصيرة، مثل محمود تيمور في بداياتها.
كلما عاد أحدنا إلى نتاج الاثنين، تأكد أن الحكم صحيح وأن الذوق العام نادرا ما يخطئ. اعتبر الأميركيون أن شاعرهم هو روبرت فروست، يوم كان في الولايات المتحدة مائة شاعر آخر على الأقل. ولا نعرف عدد الكبار من شعراء فرنسا وكتّابها، لكن عدد الذين نعرفهم محدود. وكم عدد الذين نعرفهم من شعراء الإنجليزية مقارنة بما يعرفه الملايين حول العالم عن شكسبير؟
هذا هو حال الإنسان والأدب منذ بدء العلاقة. أقول ذلك لأنني في مراجعة الرواية والقصة المصرية، أتساءل: أين ضاع، ولماذا ضاع، يوسف الشاروني؟ إنه أكثر «كثافة» إذا صدقت القراءة، من نجيب محفوظ، وأكثر بحثا من يوسف إدريس، ولكن - بالتأكيد - ليس أيا منهما. الشاروني مرتبة أخرى، لكنه لم يُعطَ حقوقها. لم يُعطَ حتى ما أعطي يحيى حقي في ذلك الجيل. لماذا؟ لا أدري. هل هي العلاقة الخاصة مع الإعلام والنقاد؟ هل لعبت السينما دورها؟ هل اكتفى النقاد بقراءة عادية للشاروني وأسلوبه الساحر وطريقته الحديثة في ملء العمل الروائي بالمشاهد والمشاعر والدرس النفسي للمواقف والطباع؟
لست أدري. كل ما أعرفه أنني طالما أعجبت بالشاروني منذ أن كانت عدة أسماء تلمع في سماء الرواية المصرية. ولم تعد الرواية مصرية فقط. لكن يجب القول أيضا إن أحدا لم يأتِ بعد نجيب محفوظ، أو يوسف إدريس خارج مصر أو داخلها. ولا ترك توفيق الحكيم وريثا في ديار العرب. وربما ليس ذلك ضروريا؛ ففي أي حال نحن نعيش عصورا أخرى (وليس بالضرورة، جديدة) من الرواية والروائيين. هل سيتفق المصريون والعرب يوما على أن علاء الأسواني هو ما بعد نجيب محفوظ؟ ولكنه سوف يكون عصرا آخر في أي حال. وإلى متى سوف يظل نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف الشاروني «أحياء» نقرأهم اليوم كما قرأناهم بالأمس؟ كما يقرأ الروس تولستوي، والفرنسيون بلزاك، والأميركيون ويليام فولكنر؟ قدر بعض الكبار أن يعيشوا ويقضوا في ظلال ذوي وهج أكبر، من دون أن نعرف سرهم أو سرنا معهم. يوسف الشاروني كان أحدهم.