أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

خطر ارتفاع أسعار النفط وانخفاضها

قبل عامين فقط من الآن، كان الناس يتوقعون، وبعضهم في حالة ابتهاج والبعض الآخر في حالة ذعر، أن تتخطى أسعار النفط حاجز الـ200 دولار للبرميل، أما الآن فيدور الحديث عن انخفاض أسعار النفط الخام الذي قد يصل إلى 50 دولارا للبرميل. وسيكون لمثل هذا الهبوط، في حال حدوثه، تأثير على البلدان التي تعتمد على النفط في الشرق الأوسط الكبير. وثمة العديد من العوامل التي تعزز التكهنات الحالية، وأول هذه العوامل هو استمرار الركود العالمي لمدة تتجاوز ما كان متوقعا من قبل، وحتى البلدان التي لا تعاني من ركود، مثل الصين، تعاني من انخفاض في معدل النمو، وهو ما يؤدي بالطبع إلى انخفاض طلبها على النفط الخام.

وقبل عقد من الزمان، كانت الولايات المتحدة تستورد ثلثي النفط الذي تستهلكه، أما الآن فقد انخفضت وارداتها بنسبة 50 في المائة، ومن المتوقع أن تستمر في هذا الاتجاه.

ويتمثل السبب الثاني في الزيادة الهائلة في إنتاج النفط لنحو عشرين دولة؛ في مقدمتها الولايات المتحدة، التي تأمل أن تستعيد مكانتها كأكبر منتج للنفط في العالم. وخلال العام الحالي، تم حفر أكثر من 3000 بئر جديدة في ولاية تكساس وحدها، تنتج نحو إجمالي إنتاج دولة مثل فنزويلا، علاوة على أن ولاية داكوتا الشمالية التي لم تكن تنتج أي برميل من النفط عام 2008 باتت تنتج الآن 500.000 برميل يوميا.

وبالإضافة إلى ذلك، يتزايد إنتاج النفط في العراق، الذي يقال إنه يملك أكبر احتياطي من النفط في العالم. وعلى الرغم من عدم الاستقرار، فإن العراق بدأ برنامجا طموحا لزيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020، وقالت شركة «لوك أويل» الروسية التي تقود المشروع، إنه يمكن الوصول لهذا الهدف بحلول عام 2016.

وتأتي أخبار مماثلة من خليج غينيا، الذي أصبح الآن مركزا رئيسا لإنتاج النفط الخام، ومن خليج المكسيك وإندونيسيا، ومن المرجح أن تظهر بورما أيضا بوصفها منتجا رئيسا للنفط قريبا، وحتى لبنان وإسرائيل بدآ يحلمان بمستقبل مشرق بفضل إنتاج النفط والغاز. وقال الخبير الاقتصادي ديفيد كابلو: «يمكن أن تصبح إسرائيل أكبر مصدر للنفط الصخري في العالم».

وفي ما يتعلق باستخراج الغاز من الاحتياطات الجوفية من خلال الحفر الهيدروليكي، تأتي الولايات المتحدة في المقدمة، تليها كندا. وقد بدأت بريطانيا تدخل هذا المجال خلال الشهر الحالي، ومن المتوقع أن تتبعها فرنسا قريبا.

وفي الاقتصاد، مثله في ذلك مثل الجاذبية، فإن أي شيء يرتفع لا بد أن يهبط، ولذا لم يكن من المنطقي أن تستمر أسعار النفط في الارتفاع إلى الأبد، علاوة على أن الطلب على النفط يتمتع بالمرونة، مما يعني أنه عندما ترتفع الأسعار يمكن التقليل من الاستهلاك.

وإذا ما ركزنا على «الظمأ النفطي» في الصين والهند، فإننا بذلك ربما نغض الطرف عما يحدث في أماكن أخرى، ويكفي أن نعرف أن استهلاك الولايات المتحدة من النفط عام 2012 كان أقل من عام 2004، علاوة على أن آخر التقديرات تشير إلى وجود تباطؤ في الطلب على النفط من جانب الصين، التي أصبحت أكبر مستورد للنفط في العالم.

ويعود السبب في أن أسعار النفط لم تهبط بشكل كبير حتى الآن، إلى أن التوقعات بشأن عمق ومدة الركود العالمي كانت غير دقيقة، فلا يزال الاقتصاد الأميركي ينمو بنحو ثلاثة في المائة سنويا، في الوقت الذي عززت فيه اليابان، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من هذه التوقعات بعد أن ارتفع معدل النمو بنسبة اثنين في المائة. وحتى الاتحاد الأوروبي، من الناحية الفنية، لا يعاني من حالة ركود، بعدما وصل معدل النمو به إلى نحو اثنين في المائة.

الوضع الحالي مثير للاهتمام نظرا لأن ارتفاع أسعار النفط يوفر انعكاسا أفضل لحالة الاقتصاد العالمي من معظم التوقعات. إذا واصلت الأسعار صعودها المستمر، فالسبب هو التقديرات بأن الاقتصاد العالمي، على الرغم من الأزمة المالية، لا يزال يواصل النمو.

على الرغم من ذلك، فإن نقطة تتضح هنا، وهي أن النمو الإجمالي ليس هو ما يتحكم في الأمر، بل الإنتاج الصناعي الذي يعتمد بشكل أكبر على النفط.

ونتيجة لوجهة النظر هذه، سرعان ما ستنخفض أسعار النفط بشكل كبير، والسبب هو أنه على الرغم من أن الاقتصاد ينمو، فإن الإنتاج الصناعي يتكدس.. فنسبة النمو في الولايات المتحدة لا تتجاوز نحو اثنين في المائة.

وهناك تراجع في مناطق أخرى؛ في اليابان بمقدار ثلثي واحد في المائة، وفي الاتحاد الأوروبي بنسبة خمسة في المائة (في إسبانيا، تصل إلى نحو 20 في المائة)، حتى الصين والبرازيل والهند تشهد انخفاضا في الإنتاج الصناعي.

لانخفاض أسعار النفط، فلن تكون بحاجة إلى ركود في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا.. كل ما تحتاجه هو معدل ثابت من الإنتاج الصناعي. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهد الاقتصاد العالمي عشر دورات ركود اقتصادي؛ بدأت تسع من دورات الركود هذه بارتفاع حاد في أسعار النفط الخام، وانتهت جميعها بانخفاض حاد في أسعاره.. ففي الركود الذي وقع في الثمانينات انخفضت أسعار النفط بنسبة 70 في المائة.

أسوأ المواقف هو تقلب أسعار النفط، وسوف تضر الأسعار بكل من المنتج والمستهلك، ولن يعرف المنتجون على الإطلاق مستويات الاستثمار المطلوبة لمجاراة الطلب الفعلي. لن يعرف المستهلكون على الإطلاق أي جزء من تكلفة إنتاجهم ينبغي أن يخصص للطاقة.

تقلب الأسعار سيضر بشكل خاص بالدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). تلغي الأسعار العالية للغاية الحاجة الملحة للاستثمار في المصادر البديلة للدخل، وتثبط إصلاح الخدمات العامة وإلغاء المساعدات والفوائد والملامح الأخرى للاقتصاد الذي يعيش على دخل النفط. من ناحية أخرى، تجعل الأسعار المتدنية للغاية، الاستثمار في المصادر البديلة للدخل أمرا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.

إذن؛ هل هناك أسعار نفط مثالية؟ اعتمادا على الظروف، فإن الإجابة هي: نعم.

السعر المثالي ليس السعر الذي يمكن للمستهلك أن يطيقه، بل إن السعر غير المرتفع بشكل كبير يحول دون تراجع الإنتاج الصناعي العالمي.