د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

مرضى القلب وممارسة العملية الجنسية بين ضرورة المعرفة والحرج

أحد الأسس التي تقوم عليها عملية تقديم الرعاية الصحية والطبية للمريض هي درجة ضرورة الاحتياج ومقدار الفائدة منها. والأمراض تتنوع في شدة وطأتها على المريض، كما تختلف في مدى تهديدها لسلامة حياة المريض.
نوبات الجلطة القلبية Heart Attack أحد الأمراض ذات العلاقة الوثيقة بسلامة الحياة. وعودة المريض إلى ممارسة حياته الطبيعية بعيد اجتياز الفترة الحرجة لتلك الجلطة القلبية هي أحد الأهداف من وراء تقديم الخدمات العلاجية لمرضى الجلطة القلبية. واحتمالات عودة الإصابة بنوبة الجلطة القلبية هي احتمالات قائمة ما دام لم يتم التعامل مع العوامل التي أدت إليها وما لم تتم عملية عودة المريض إلى ممارسة أنشطة حياته اليومية بشيء من التدرج، وهو ما يُسمى طبيا بـ«إعادة التأهيل» Rehabilitation. وضمن عملية التأهيل تلك، هناك إعادة التأهيل للعودة إلى ممارسة الدور الأسري والاجتماعي، بكل ما يتضمنه ذلك من أنشطة بدنية ونفسية وغيرها.
وضمن عدد 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي لمجلة «الدورة الدموية» Circulation الصادرة عن رابطة القلب الأميركية AMA، عرض الباحثون من جامعة شيكاغو نتائج دراستهم عن تلقي المشورة الطبية حول ممارسة العملية الجنسية Sexual Activity Resuming Counseling خلال فترة الشهر الأول التي تعقب الإصابة بنوبة الجلطة القلبية، وذلك بين البالغين من المرضى في الولايات المتحدة وإسبانيا. وشمل الباحثون في دراستهم أكثر من 3500 شخص متوسطي العمر من الجنسين، خلال الفترة ما بين عام 2008 و2012 من الذين أصيبوا بنوبة الجلطة القلبية حديثا، خلال شهر، وتلقوا الرعاية الطبية في 127 مستشفى بالولايات المتحدة وإسبانيا. وعدد المشمولين بالدراسة، وتنوع المستشفيات التي تلقوا فيها الرعاية الطبية، والفترة الزمنية للمتابعة، كلها عوامل تعطي صورة أوضح للممارسة الطبية حول هذا الشأن.
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن غالبية أولئك المرضى لم يتلقوا تلك المشورة المهمة، رغم أن غالبيتهم كانوا نشيطين جنسيا خلال العام السابق للإصابة بنوبة الجلطة القلبية، أي يحتاجون بالفعل إلى نصائح المشورة تلك. وتحديدا، لاحظ الباحثون في نتائجهم أن فقط 12 في المائة من النساء و19 في المائة من الرجال المشمولين في الدراسة تلقوا بالفعل تلك المشورة من قبل مقدمي الرعاية الطبية أثناء دخولهم إلى المستشفى، بينما البقية لم يتلقوها. وتتنوع أسباب عدم تلقي البقية، بين عدم معرفة المريض وجود تلك الخدمة أو الحرج الذي يعتريه حال إبدائه الاهتمام بمعرفة ما عليه فعله إزاء هذا الجانب المهم من نشاطه الأسري والزوجي أو عدم تقديم أطبائه له فرصة لسؤالهم عن مدى توفر تقديم خدمة المشورة تلك.
وعلقت الدكتورة ستاسي لينداو، الباحثة الرئيسية في الدراسة وطبيبة النساء والتوليد بالمركز الطبي لجامعة شيكاغو، بقولها: «حتى مع إصابة المرء بأحد الأمراض المهددة لسلامة حياته فإن الناس يُعطون قيمة لائقة لنشاطهم الجنسي وقدراتهم على ممارسته، ويرون أن من المناسب أن يُوفر له مقدمو الرعاية الطبية مجالا لطرح موضوع العودة نحو ممارسة النشاط الجنسي».
وإضافة إلى تدني تقديم المشورة الطبية في هذا الجانب، لاحظ الباحثون أن ثمة توجها بين مقدمي المشورة نحو الطلب من المريض التحفّظ في ممارسة العملية الجنسية، وهو ما لاحظ الباحثون أنه يُمثل تحفظا يفوق درجة التحفّظ التي تنص عليها الإرشادات الطبية للهيئات الطبية العالمية المعنية بسلامة صحة القلب ومعالجة أمراضه.
وكانت دراسة سابقة نشرت العام الماضي في «مجلة رابطة القلب الأميركية» Journal of the American Heart Association، قد لاحظت في نتائجها أن النساء اللواتي سبقت إصابتهن بنوبة الجلطة القلبية قد وجدن أن تلقي المشورة من الطبيب حول العودة إلى ممارسة الحياة الجنسية يُساعدهن على تهدئة مخاوفهن حول هذا الأمر، وأن غالبية أولئك المريضات اللواتي تلقين تلك المشورة كن هن اللواتي بدأن في طرح طلب المشورة على الطبيب، وغالبيتهن لم يكن راضيات عن نوعية المعلومات التي تلقينها.
وفي عام 2013. نشرت جمعية القلب الأميركية بيانا علميا عن تقديم المشورة للمرضى المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية حول النشاط الجنسي. وخلص البيان إلى أن الاستشارة الجنسية يجب أن تكون مصممة لتلبية احتياجات واهتمامات مرضى القلب الفردية والزوجين معا. وأضافت الدكتورة ستاسي قائلة: «على مقدمي الرعاية الطبية أن يخبروا مرضاهم أن عودتهم إلى ممارسة النشاط الجنسي هي أمر طبيعي ومقبول، وأن عليهم التوقف متى ما شعروا بأي آلام أو ضيق في التنفس أو أي أعراض غير طبيعية أخرى. وإذا لم يُثر الأطباء هذا الموضوع مع مرضاهم قبل خروجهم من المستشفى فإن على المرضى أن يسألوا عنه».
والواقع أن ممارسة العملية الجنسية لمريض القلب مهمة، لأنها من جهة قد تكون سببا في تفاقم حالته الصحية إن لم تكن مناسبة لحالته الصحية، ومن جهة أخرى قد يتسبب عدم ممارستها بإصابة المريض بالاكتئاب وتوتر العلاقة الزوجية وتدني مستوى نوعية ممارسة أنشطة الحياة اليومية، وكلها عوامل ثبت من خلال الدراسات الطبية أن لها تأثيرات ضارة بصحة القلب. وعليه فإن الضرورة تفرض طرح هذا الموضوع للنقاش مع المريض وإعطاءه المشورة الملائمة لحالته الصحية دونما حاجة للتحفظ في الحد من ممارسة المريض لأنشطة حياته اليومية التي بإمكانه صحيا ممارستها. وهو ما يجدر أن يكون ضمن برنامج إعادة التأهيل لمرضى نوبات الجلطة القلبية، وهي برامج مهمة ضمن منظومة تقديم الرعاية الطبية للمرضى.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]