سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

المؤامرة الذاتية

عندما بدأت أسعار النفط بالهبوط تدافع المحللون: مؤامرة لتركيع روسيا، مؤامرة للضغط على إيران، مؤامرة دبرتها دول الخليج. ولم يتردد الرئيس الإيراني نفسه، رغم وقاره، ورغم ما هو نقيض سَلفه، في توجيه الاتهامات إلى بعض الدول، وشرحها: السعودية بالتآمر مع أميركا.
الرجاء ملاحظة ما حدث حتى الآن: الكويت تواجه أزمة كبرى في الموازنة. خسائر الأسهم السعودية نحو 200 مليار دولار. خسائر الأسواق الخليجية، من الأفضل لك ألاَّ تعرف. السوق الأميركية انهارت، نفطا وغير نفط، وكل السوائل ومنها خصوصًا «كوكاكولا». أسواق أوروبا.. سلامتك. شركات النفط الصخري أيضًا.. سلامتك. بذلك، يكون، وفقًا للسادة والسيدات المحللين والمحللات، قد تآمر الغرب، برمَّته، على نفسه واقتصاده، مع العلم أن أميركا لم تعد الاقتصاد العالمي الأول، بل خطفت المكانة السيدة الصين، أضخم دولة رأسمالية فوق ضريح ماو.
لا شك أن روسيا هي المتضرر الأول. ومعها إيران. ومعهما الاقتصادات القائمة على قرار الفرد، بدل دورة السوق، مثل فنزويلا. وقد يؤثّر ذلك على مصاريف روسيا وإيران في حروب سوريا، خصوصًا أن كلتيهما تتعرض لعقوبات اقتصادية شديدة. لكن كل ذلك لا يعني أن مؤامرة قد رسمت كل هذه النتائج. ليس لأن الغرب لا يتآمر، بل لأنه لا يتآمر على نفسه، ولا يطلق النار على أنفه لطرد نحلة عقصته فيه. حان لنا أن نعرف الفارق بين الزكام والوباء. وأن ندرك أن النفط ليس ربحًا عربيًا فقط، وبالتالي، ليس خسارة عربية فقط. وكان على إيران أن تعرف، كدولة في «الأوبك» ومتابعة لحركة المقوّمات الاقتصادية في العالم، ما عرفه غيرها من الدول النفطية، التي فقدت ليبيا في المنظمة، لأنها تحولت من صاحبة أنقى وأغلى نفط خام، إلى ساحة لصراع «الكاوبويات» النفطي. وهذا يؤثر في السوق صعودًا – لا هبوطًا، كما حصل.
الشركات الأميركية الكبرى التي تؤثر في السياسة وتقرر مجرى الاقتصاد، خسرت مؤخرًا أكثر من روسيا وإيران معًا. وألوان الأسواق على «العربية» حمراء – حمراء. وبما أن دول الخليج – بعكس إيران – تنتسب إلى دورات الاقتصاد العالمي، فالضرر عليها أكبر بكثير من الضرر على اقتصاد كالاقتصاد الإيراني، قائم على الصمود والتصدي، وليس على معايير الكفاية والنمو.
يذكِّر الوضع الحالي بأيام كان العراق محاصرًا بالعقوبات، وكان الليبيون يذهبون برًا إلى تونس لكي يتمكنوا من ركوب طائرة إلى الخارج. ماذا كان ثمن الصمود على البلدين؟ وماذا سوف يكون ثمنه على روسيا الآن. هل تستطيع روسيا، التي أصبحت دولة رأسمالية كبرى، أن تغرق في المزيد من الحصار من أجل مواجهة عبثية في أوكرانيا؟ وهل تتحمل دولة كبرى مثلها، أن تهان عملتها إلى هذه الدرجة، فيما يتمخطر اليوان الصيني مثل سبائك الذهب، بين عملات العالم؟