فاضل السلطاني

فاضل السلطاني
محرر الثقافة والكتب في «الشرق الأوسط» منذ عام 1997. نشر عدة كتب شعرية وترجمات. وفي الدراسات له «خمسون عاماً من الشعر البريطاني» و«الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني». وأصدر بالانجليزية «فيليب لاركن شاعراً منتمياً» و«ثلاثة شعراء محدثون». مُجاز في الآداب من جامعة بغداد، وحاصل على درجة الماجستير في الأدبين الأوروبي والأميركي من جامعة لندن.

أين ذهب الفلاسفة وأين اختفى الشعراء؟

أين مضى الفلاسفة؟ وإلى أين هاجر الشعراء؟ أين اختفت تلك الروايات الكبرى التي يتصارع فيها الخير والشر، والخداع والحقيقة، والنور والظلام، والشك واليقين؟ لقد ملأ «صناع العالم» من الفلاسفة والشعراء والروائيين، فضاء البشرية منذ فجرها أحلاماً بهية بمدائن فاضلة تصبح فيها الحقيقة هي الجمال، والجمال هو الحقيقة، ويرتفع في أفيائها الإنسان فوق شرطه الوجودي البائس، وارثاً كل ما راكمته الإنسانية من حكمة ومعرفة.

من يتغير... اللغة أم نحن؟

طرح الزميل توفيق السيف، في مقاله «لغة ضيقة»، المنشور في «الشرق الأوسط» بتاريخ 4/5، عدة قضايا متشابكة وشائكة لا يزال العلماء والمتخصصون منذ قديم الزمان يتجادلون ويختلفون حولها. وبالتأكيد لا تسمح مساحة صغيرة بالتعمق فيها، وإنما الهدف هو طرح الأسئلة، وإثارة التفكير في جوانب إشكالياتها وانعكاساتها اجتماعياً وثقافياً، وهي مهمة ليست سهلة إطلاقاً. من هذه القضايا، قضية اللغة، التي عدها المقال قابلة للتطور مثلها مثل أي عنصر ثقافي آخر. وفي الحقيقة، ليس من الدقة اعتبار اللغة عنصراً ثقافياً لتتطور مع تغير الأزمنة.

الآيديولوجيا حين تتحكم بالترجمة

في مقابلة خاصة نُشرت في «الشرق الأوسط» عام 1999، سألنا الشاعرة البريطانية كاثلين رين، التي رحلت عام 2004 عن خمسة وتسعين عاماً، وتعد واحدة من أكبر الشعراء البريطانيين في القرن العشرين، إذا ما كان هناك شعر عظيم هذه الأيام، أو شاعر عظيم على مستوى ييتس، التي عاصرته في أيامه الأخيرة، أو بمستوى إزرا باوند أو تي. إس. إليوت، فأجابت بالنفي. ثم استدركت بقولها إنها مؤمنة بأن الشعر العظيم سيأتي من الشرق ومن روسيا بالتحديد، لأن الثقافة الغربية المادية، حسب رأيها، لم تعد تسمح بظهور شاعر عظيم...

بين موقف وموقف... عقول عربية منشطرة

في كل منعطف، سواء أكان عربياً أم أجنبياً، تبرز أمامنا حقيقة صارخة لا نريد أن نعترف بها، أو نتوقف أمامها قليلاً لنتفحص مظاهرها، وتجلياتها، والأهم أسبابها، ونعني بها عدم امتلاكنا منظومة فكرية وأخلاقية منسجمة مع نفسها، تحكم أفعالنا وآراءنا، وتقيس كل القضايا بمقياس واحد، لا يطول هنا ويقصر هناك، أو يحتجب تماماً في موقف، ويرتفع زنبكه في موقف آخر، إلى درجة نشك فيها أن أصحاب مثل هذه المواقف المتناقضة، التي لا يمكن التوفيق بينها مهما بررنا وبحثنا عن أعذار لها، هم الشخصيات نفسها. إننا أمام حالة من الانفصام الفكري والأخلاقي والنفسي، تقترب من درجة الانفصام المرضي، ولا يمكننا أن نطلق عليها اسماً آخر.

الحب في زمن كورونا وأوكرانيا

في كتاب هنري ميللر «الكتب في حياتي»، الذي صدر بالأصل في بداية الستينات، وترجم للعربية عام 2012 - ت: أسامة منزلجي، دار المدى - تصدمنا جملة تبدو ناشزة، وغريبة على كتابات ميللر وطبيعة حياته التي اعتاد أن يصفها نقاده بـ«العبثية» و«العدمية »، وبعضهم بـ«اللاأخلاقية». تقول الجملة ما معناه أن «الخوف من الحياة لم يكن قط متفشياً هكذا. لقد احتل الخوف من الحياة مكان الخوف من الموت.

العراق ثقافة وليس شيئاً آخر

لا تتعبوا أنفسكم كثيراً، فلن تجدوا العراق في المنطقة الخضراء، حيث يتحصن السياسيون منذ ما يقرب من عشرين سنة، بل في نقيضها التاريخي... مقهى الشابندر، ومقهى «قهوة وكتاب»، وشارع المتنبي، ومعارض الكتب المتزامنة في النجف والبصرة والسليمانية، وأخيراً في بغداد، التي ملأ شبابها وشاباتها ساحة معرض العراق الدولي للكتاب الذي نظمته مؤسسة المدى.

هل ينقذ المغاربة لغتنا العربية؟

في زيارتي الأخيرة قبل أيام بدعوة كريمة من «مؤسسة أصيلة»، في موسمها الثقافي الدولي الثاني والأربعون، كنت أقارن بين ما شهدته منذ عقود، حين درّست لسنتين نهاية السبعينات، وبين ما ألمسه الآن. فيما يخص مستوى تعليم وتدريس اللغة العربية. تغيير هائل قد حصل. لم تعد العربية في هذا البلد تلك الفتاة الخجول، التي كانته، بل نضجت وملكت لسانها. وأكثر من هذا هو لسان طليق، صافٍ لا شائبة فيه.

هل خرجت البشرية من طور المراهقة؟

في مقابلة معه قبل عشر سنوات من نهاية القرن العشرين، تحدث الروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا، عن تصوره لما سيكون عليه العالم في المستقبل، معبراً عن تفاؤله بمستقبل البشرية، التي تقدمت كثيراً عن الأمس، حين كان الناس «يمتشقون السيوف ويرتدون الشعر المستعار على رؤوسهم ويمتطون الأحصنة». لكنه في الوقت نفسه عبر عن اعتقاده بأن البشرية لا تزال تعيش مرحلة المراهقة، وأن عالمنا يمكنه أن يفنى حتى من قبل أن يصل إلى كامل شبابه. ثلاثون سنة مرت على قراءة مورافيا هذه، ولا يزال العالم الذي تحدث عنه يتخبط في مراهقته. وكل من له عينان يستطيع أن يرى أن هذا الطور من عمر البشرية قد طال طويلاً ويطول.

الكتابة... أو الجنون!

كان جورج آرويل يقول إن السيرة الذاتية التي لا تكشف لنا عن «الفظائع» في حياة صاحبها هي ليست بسيرة ذاتية. والمقصود بالفظائع هنا، أن يكشف لنا الكاتب عن نقاط ضعفه، التي لا بد أن يعاني منها أي إنسان، وهشاشته في مراحل من حياته، وانكساراته في مسيرته الحياتية والأدبية، وبكلمة واحدة أن تكون السيرة صادقة، فلا يجمّلها، كاشفاً منها ما يريد، ومخفياً منها ما يشاء. وبهذا المعنى، فإن كتب السيرة الذاتية، خصوصاً العربية، قليلة جداً، على عكس ما نرى في معظم كتب السيرة الغربية، من جان جاك روسو في اعترافاته إلى جانيت فريم، الكاتبة النيوزيلندية (1924 - 2004)، التي تعد واحدة من أهم كتاب بلدها.

حس أخلاقي عند درجة الصفر

تتحدث عن الظلم أو القمع في بلد ما، فيقولون لك: دعنا من السياسة. تدين طاغية هنا أو هناك، فينبشون في سجلك السياسي. تكتب عن بلد في الواق واق، لا يساوي فيه رأس مال الإنسان سعر سيكارة واحدة، فيرددون: لقد أفسد ماركس رأسك! بلد ينهد على رأسه، ويتحول في لحظة إلى مقبرة لأبنائه، ولا تملك سوى الصراخ، فيتهمونك بأن صراخك مدفوع الثمن.