فاضل السلطاني

فاضل السلطاني
محرر الثقافة والكتب في «الشرق الأوسط» منذ عام 1997. نشر عدة كتب شعرية وترجمات. وفي الدراسات له «خمسون عاماً من الشعر البريطاني» و«الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني». وأصدر بالانجليزية «فيليب لاركن شاعراً منتمياً» و«ثلاثة شعراء محدثون». مُجاز في الآداب من جامعة بغداد، وحاصل على درجة الماجستير في الأدبين الأوروبي والأميركي من جامعة لندن.

بين موقف وموقف... عقول عربية منشطرة

في كل منعطف، سواء أكان عربياً أم أجنبياً، تبرز أمامنا حقيقة صارخة لا نريد أن نعترف بها، أو نتوقف أمامها قليلاً لنتفحص مظاهرها، وتجلياتها، والأهم أسبابها، ونعني بها عدم امتلاكنا منظومة فكرية وأخلاقية منسجمة مع نفسها، تحكم أفعالنا وآراءنا، وتقيس كل القضايا بمقياس واحد، لا يطول هنا ويقصر هناك، أو يحتجب تماماً في موقف، ويرتفع زنبكه في موقف آخر، إلى درجة نشك فيها أن أصحاب مثل هذه المواقف المتناقضة، التي لا يمكن التوفيق بينها مهما بررنا وبحثنا عن أعذار لها، هم الشخصيات نفسها. إننا أمام حالة من الانفصام الفكري والأخلاقي والنفسي، تقترب من درجة الانفصام المرضي، ولا يمكننا أن نطلق عليها اسماً آخر.

الحب في زمن كورونا وأوكرانيا

في كتاب هنري ميللر «الكتب في حياتي»، الذي صدر بالأصل في بداية الستينات، وترجم للعربية عام 2012 - ت: أسامة منزلجي، دار المدى - تصدمنا جملة تبدو ناشزة، وغريبة على كتابات ميللر وطبيعة حياته التي اعتاد أن يصفها نقاده بـ«العبثية» و«العدمية »، وبعضهم بـ«اللاأخلاقية». تقول الجملة ما معناه أن «الخوف من الحياة لم يكن قط متفشياً هكذا. لقد احتل الخوف من الحياة مكان الخوف من الموت.

العراق ثقافة وليس شيئاً آخر

لا تتعبوا أنفسكم كثيراً، فلن تجدوا العراق في المنطقة الخضراء، حيث يتحصن السياسيون منذ ما يقرب من عشرين سنة، بل في نقيضها التاريخي... مقهى الشابندر، ومقهى «قهوة وكتاب»، وشارع المتنبي، ومعارض الكتب المتزامنة في النجف والبصرة والسليمانية، وأخيراً في بغداد، التي ملأ شبابها وشاباتها ساحة معرض العراق الدولي للكتاب الذي نظمته مؤسسة المدى.

هل ينقذ المغاربة لغتنا العربية؟

في زيارتي الأخيرة قبل أيام بدعوة كريمة من «مؤسسة أصيلة»، في موسمها الثقافي الدولي الثاني والأربعون، كنت أقارن بين ما شهدته منذ عقود، حين درّست لسنتين نهاية السبعينات، وبين ما ألمسه الآن. فيما يخص مستوى تعليم وتدريس اللغة العربية. تغيير هائل قد حصل. لم تعد العربية في هذا البلد تلك الفتاة الخجول، التي كانته، بل نضجت وملكت لسانها. وأكثر من هذا هو لسان طليق، صافٍ لا شائبة فيه.

هل خرجت البشرية من طور المراهقة؟

في مقابلة معه قبل عشر سنوات من نهاية القرن العشرين، تحدث الروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا، عن تصوره لما سيكون عليه العالم في المستقبل، معبراً عن تفاؤله بمستقبل البشرية، التي تقدمت كثيراً عن الأمس، حين كان الناس «يمتشقون السيوف ويرتدون الشعر المستعار على رؤوسهم ويمتطون الأحصنة». لكنه في الوقت نفسه عبر عن اعتقاده بأن البشرية لا تزال تعيش مرحلة المراهقة، وأن عالمنا يمكنه أن يفنى حتى من قبل أن يصل إلى كامل شبابه. ثلاثون سنة مرت على قراءة مورافيا هذه، ولا يزال العالم الذي تحدث عنه يتخبط في مراهقته. وكل من له عينان يستطيع أن يرى أن هذا الطور من عمر البشرية قد طال طويلاً ويطول.

الكتابة... أو الجنون!

كان جورج آرويل يقول إن السيرة الذاتية التي لا تكشف لنا عن «الفظائع» في حياة صاحبها هي ليست بسيرة ذاتية. والمقصود بالفظائع هنا، أن يكشف لنا الكاتب عن نقاط ضعفه، التي لا بد أن يعاني منها أي إنسان، وهشاشته في مراحل من حياته، وانكساراته في مسيرته الحياتية والأدبية، وبكلمة واحدة أن تكون السيرة صادقة، فلا يجمّلها، كاشفاً منها ما يريد، ومخفياً منها ما يشاء. وبهذا المعنى، فإن كتب السيرة الذاتية، خصوصاً العربية، قليلة جداً، على عكس ما نرى في معظم كتب السيرة الغربية، من جان جاك روسو في اعترافاته إلى جانيت فريم، الكاتبة النيوزيلندية (1924 - 2004)، التي تعد واحدة من أهم كتاب بلدها.

حس أخلاقي عند درجة الصفر

تتحدث عن الظلم أو القمع في بلد ما، فيقولون لك: دعنا من السياسة. تدين طاغية هنا أو هناك، فينبشون في سجلك السياسي. تكتب عن بلد في الواق واق، لا يساوي فيه رأس مال الإنسان سعر سيكارة واحدة، فيرددون: لقد أفسد ماركس رأسك! بلد ينهد على رأسه، ويتحول في لحظة إلى مقبرة لأبنائه، ولا تملك سوى الصراخ، فيتهمونك بأن صراخك مدفوع الثمن.

هل يمكن أن نفصل المبدع عن موقفه؟

هل نستطيع أن نفصل المبدع عن إبداعه؟ هل للعملية الإبداعية قوانينها الخاصة، التي ينفصل فيها المبدع عن ذاته كإنسان لتحل معها ذات أخرى على النقيض تماماً من الأولى، وبالتالي يمكن أن نرسم خطين متوازيين بين المبدع والإنسان، ونرتاح من عذاب السؤال عن سبب الازدواجية القاتلة بين الاثنين التي حيرت دارسي الأدب الإنساني، منذ فجر التاريخ؟ هل يمكن أن نمحو من أذهاننا ووجداننا صورة إنسان وحش، وفي الوقت نفسه شاعر، أو كاتب، أقرب إلى الملائكة؟ وهل نستطيع منع أنفسنا من طرح السؤال الممض، ولو في أعمق أعماقنا: أيهما يكذب، المبدع كإنسان أم المبدع كمبدع؟ وإذا كان أحدهما يكذب، فكيف بإمكاننا أن نميز ذلك؟ ومن نصدق؟

الستار الحديدي الروسي لا يزال كثيفاً

يمكن القول باطمئنان إن ثلاثة آداب أجنبية أثرت تأثيراً بالغاً في الأدب العربي المعاصر، بدرجات ليست متباعدة كثيراً: الأدب البريطاني والفرنسي والروسي. لقد تعرفنا أولاً على الأدب الروسي ونماذجه العملاقة، ويا للمفارقة! من خلال اللغة الفرنسية، حين نقل لنا المترجم الفريد سامي الدروبي كل أعمال دوستويفسكي، 12 مجلداً، عن هذه اللغة في ترجمة لا تقل جمالاً عن الأصل، حسب شهادة الكثيرين ممن يعرفون الروسية. وقرأنا على يده أيضاً أربعة مجلدات من أعمال ليو تولستوي، وبعض أعمال بوشكين وميخائل ليرمنتوف.

من ينقذ الشعر منا؟

يتحدث علماء الاقتصاد عن التطور غير المتكافئ حتى في حدود البلد نفسه، بين المدن الكبيرة والصغيرة، وبين هذه الأخيرة والريف، ويعزون سبب ظهور الشعبوية وازدهارها المفاجئ لهذا التطور غير المتكافئ الذي تراكم عبر السنين، حتى عبر عن نفسه بشكل مشوه. وإذا حاولنا تطبيق ذلك على ثقافتنا المعاصرة، نستطيع أن نقول إننا نعيش «تطورا» غير متكافئ في صناعتنا الإبداعية. وهو تطور مشوه، لأنه غير طبيعي، ولا يمكن أن يؤدي إلى ازدهار حقيقي في ثقافتنا المعاصرة، بل إلى خراب. ومناسبة هذا الحديث، هو ما نسميه «الطفرة الروائية»، في مقابل انحسار ديوان العرب، في زمن قياسي، ومن دون أي مقدمات منطقية.