ابتكر فريق دولي من الباحثين خليةً عصبيةً اصطناعيةً قادرةً على محاكاة أجزاء مختلفة من الدماغ، ما قد يجعل الروبوتات القادرة على استشعار العالم والاستجابة له كالبشر حقيقةً واقعةً قريباً.
في دراستهم المنشورة بدورية «نيتشر كومينيكيشين»، يكشف الفريق بقيادة باحثين من جامعة لوبورو بالمملكة المتحدة، الذي يضم أيضاً أكاديميين من معهد سالك وجامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة، أن الخلية العصبية الاصطناعية - المعروفة باسم «الخلايا العصبية العابرة» - يُمكنها التبديل بين أدوار خلايا الدماغ المُشاركة في الرؤية والتخطيط والحركة، مما يُظهر مستوى من المرونة كان يُعتقد سابقاً أنه خاصٌّ بالعقل البشري فقط.
وتُشكّل الخلايا العصبية الاصطناعية - وهي دوائر إلكترونية دقيقة تُحاكي طريقة تواصل خلايا الدماغ - جوهر الحوسبة العصبية الشكلية، وهو مجالٌ يهدف إلى جلب ذكاءٍ شبيهٍ بالذكاء البشري إلى الآلات.
وعلى الرغم من التقدم السريع، لا تستطيع الخلايا العصبية الاصطناعية اليوم سوى أداء مهام ثابتة، ولكلٍّ منها دورٌ مُحدد. ويجب دمج الآلاف منها لمحاكاة وظائف الدماغ البسيطة - وهي عمليةٌ مُكلفةٌ وتستهلك طاقةً كبيرةً مقارنةً بقدرة الدماغ على التكيف بسهولة.
ويتساءل البروفسور سيرجي سافيليف، خبير الفيزياء النظرية في جامعة لوبورو والمؤلف المُراسل للدراسة: «هل يُعدّ الدماغ البشري جهازاً غامضاً يصعب علينا الوصول إليه، أم يُمكننا يوماً ما إعادة إنشائه باستخدام الإلكترونيات، وربما حتى بناء شيء أكثر قوة؟».
ويوضح في بيان الثلاثاء: «يُمثل بحثنا خطوةً نحو الإجابة عن هذا السؤال. لقد أظهرنا أنه يُمكن ضبط خلية عصبية اصطناعية واحدة لإعادة إنتاج سلوك الخلايا العصبية البصرية والحركية».
شرائح إلكترونية تؤدي وظائف الدماغ
ويضيف: «هذا يفتح الباب أمام تطوير شرائح إلكترونية قادرة على أداء وظائف مُعقدة تُشبه وظائف الدماغ، ويُمهد الطريق لروبوتات أكثر شبهاً بالبشر».
اختبر الباحثون مدى دقة محاكاة جهازهم للدماغ عن طريق تغذية الخلايا العصبية العابرة بإشارات كهربائية وقياس النبضات التي تُنتجها استجابةً لذلك. ثم قارنوا هذه النبضات بالنبضات الكهربائية التي تستخدمها خلايا الدماغ الحقيقية للتواصل، والمسجلة من قرود المكاك.
ركز الفريق على 3 مناطق دماغية رئيسية: إحداها تُشارك في معالجة الرؤية، والثانية في التحكم بالحركة، والثالثة تُساعد في الاستعداد للفعل. يُنتج كل منها نمطاً مُميزاً من النبضات.

ومن اللافت للنظر، أنه من خلال ضبط الإعدادات الكهربائية للجهاز، تمكّنت خلية عصبية عابرة من إعادة إنتاج جميع أنواع سلوك النبضات الثلاث، بنسبة 70-100 في المائة بدقة.
ويوضح البروفسور ألكسندر بالانوف، أستاذ الفيزياء في جامعة لوبورو: «أدمغتنا فعّالة للغاية، وقادرة على أداء مهام معقدة مثل التعرّف على الوجوه أو التحكم في الحركات باستخدام طاقة قليلة جداً».
ويضيف بالانوف: «بتعديل إعدادات الدوائر الكهربائية لأجهزتنا، مثل تغيير الجهد، يمكننا جعل الوحدة نفسها تعمل كخلايا عصبية دماغية مختلفة. كما نعلم أن خلايانا العصبية الاصطناعية تستجيب جيداً للتغيرات في البيئة، مثل الضغط ودرجة الحرارة، والتي يمكن استخدامها لإنشاء أنظمة حسية اصطناعية.
كيف تعمل العصبونات الاصطناعية؟
مثل العصبونات الاصطناعية الأخرى، يُعدّ العصبون العابر الذي ابتكره الباحثون شريحة إلكترونية صغيرة تُحاكي كيفية تمرير خلايا الدماغ للإشارات بين بعضها عن طريق توليد نبضات كهربائية صغيرة.
وتأتي مرونته الشبيهة بالدماغ من مُكوّن مُكتشف حديثاً يُسمى المقاومة الذاكرية - وهو جهاز نانوي يتغير فيزيائياً عند تدفق الكهرباء عبره، مما يسمح له «بتذكر» الإشارات السابقة وتعديل استجابته، تماماً كما تتعلم خلايا الدماغ.
وبهذه الطريقة، يُمكّن للباحثين ضبط العصبون العابر ليتصرف كأجزاء مختلفة من الدماغ دون أي تحكم برمجي.
ويقول الباحثون إن التحدي التالي يكمن في إنشاء «قشرة دماغية على شريحة» عبر دمج العديد من الخلايا العصبية العابرة في شبكات مترابطة قادرة على الإدراك والتعلم والتحكم.
