ليس الدهون فقط... كيف يؤدي السكر إلى ارتفاع الكولسترول؟

تشير الدراسات إلى أن الإفراط في تناول السكر يرفع مستويات الكولسترول (بكسلز)
تشير الدراسات إلى أن الإفراط في تناول السكر يرفع مستويات الكولسترول (بكسلز)
TT

ليس الدهون فقط... كيف يؤدي السكر إلى ارتفاع الكولسترول؟

تشير الدراسات إلى أن الإفراط في تناول السكر يرفع مستويات الكولسترول (بكسلز)
تشير الدراسات إلى أن الإفراط في تناول السكر يرفع مستويات الكولسترول (بكسلز)

لطالما ارتبط ارتفاع الكولسترول بتناول الدهون، لكن الأدلة العلمية الحديثة تكشف عن عامل آخر لا يقل خطورة، هو السكر المضاف.

وتشير الدراسات إلى أن الإفراط في تناول السكر لا يرفع فقط مستويات الكولسترول الكلي، بل يخلّ بالتوازن بين الكولسترول الجيد (HDL) والسيئ (LDL)، مما يعزز خطر الإصابة بأمراض القلب.

ويشرح تقرير لموقع «فيريويل هيلث»، كيف يؤثر السكر على الكولسترول في الجسم، ولماذا يستحق الانتباه كعامل رئيسي في صحة القلب.

السكر والكولسترول

استهلاك كميات كبيرة من السكر، حتى لمدة قصيرة لا تتجاوز بضعة أسابيع، يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكولسترول وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب؛ إذ يتم تحويل السكريات مثل السكروز وشراب الذرة عالي الفركتوز، وهما من السكريات التي تضاف عادة إلى المشروبات والأطعمة خلال التصنيع، إلى الفركتوز والجلوكوز داخل الجسم.

وتؤدي المستويات العالية من هذه السكريات البسيطة إلى تحفيز الجسم لإنتاج المزيد من الكولسترول، كما أنها تعيق عملية تكسيره والتخلص من الكولسترول الموجود.

فيما يلي أبرز ما توصلت إليه الأبحاث الحديثة حول تأثير السكر على الكولسترول:

أظهرت الدراسات أن تناول كميات كبيرة من السكر قد يرفع مستويات الدهون التالية في الجسم: الدهون الثلاثية، الكولسترول الكلي، كولسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL أو «الكولسترول الضار»)، وكولسترول البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL أو «الكولسترول الجيد»).

الاستهلاك المفرط للفركتوز قد يؤدي أيضاً إلى زيادة مستويات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة جداً (VLDL)، التي تسهم في تراكم الدهون في الشرايين.

فالبالغون الأصحاء الذين يتبعون نظاماً غذائياً غنياً بالسكر المضاف لديهم مستويات كولسترول كلي أعلى قليلاً مقارنة بمن يتبعون نظاماً منخفض السكر. مع ذلك، لم تُسجّل فروقات كبيرة في مستويات LDL أو HDL بين المجموعتين.

وربطت عدة دراسات بين استهلاك المشروبات المحلاة بالسكر مثل المشروبات الغازية والعصائر، وارتفاع مستويات LDL والدهون الثلاثية، إلى جانب انخفاض في مستويات HDL.

كما أن الأفراد الذين يتبعون أنظمة غذائية غنية بالسكر يكونون أكثر عرضة للوفاة بأمراض القلب بثلاثة أضعاف مقارنة بغيرهم.

الخبر الإيجابي أن خفض كمية السكر إلى المستويات الموصى بها يمكن أن يساعد في تقليل مستويات الكولسترول، حتى من دون تقليل إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة.

ما دور الكولسترول في الجسم؟

الكولسترول هو مركب شمعي يلعب دوراً مهماً في حماية أغشية الخلايا داخل الجسم، كما يُستخدم كعنصر أساسي في إنتاج عدة مركبات حيوية، منها: الهرمونات الستيرويدية مثل الإستروجين والتستوستيرون، والأحماض الصفراوية وفيتامين «د».

ويحتاج الجسم إلى الكولسترول لأداء وظائفه الحيوية، ولكن التوازن بين أنواعه هو المفتاح.

ويساعد HDL على حماية القلب من خلال نقل الدهون إلى الكبد، حيث يتم تكسيرها والتخلص منها.

أما ارتفاع مستويات LDL، فهو يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب لأنه ينقل الدهون من الكبد إلى أنحاء الجسم، مما قد يؤدي إلى تراكمها على شكل لويحات تسد الشرايين وتمنع تدفق الدم إلى القلب والدماغ والكلى.

ويرتبط ارتفاع الكولسترول الضار (LDL) بالحالات التالية:

تصلب الشرايين (تراكم اللويحات في الشرايين)

ارتفاع ضغط الدم

تجلط الدم

ألم الصدر

النوبات القلبية

السكتات الدماغية

ما كمية السكر الموصى بها؟

وفقاً للإرشادات الغذائية للأميركيين 2020–2025، ينبغي أن تشكل السكريات المضافة أقل من 10 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية اليومية، أي ما يعادل نحو 12 ملعقة صغيرة من السكر يومياً ضمن نظام غذائي يحتوي على 2000 سعرة حرارية.

لكن جمعية القلب الأميركية توصي باستهلاك كمية أقل، بحيث لا تتجاوز السكريات المضافة 6 في المائة من إجمالي السعرات اليومية، أي نحو 7 ملاعق صغيرة فقط يومياً.

توجد السكريات المضافة في المحليات، والشراب (السيروب)، والعسل، والعصائر، وهي تُضاف إلى الأطعمة خلال عملية التصنيع. ولا تشمل هذه السكريات الطبيعية الموجودة في الفواكه والخضراوات والحليب.

وأكثر مصادر السكر المضاف تشمل:

- المشروبات المحلاة (مثل المشروبات الغازية والعصائر ومشروبات الطاقة)

- المخبوزات والحلوى والحلويات

- المربى والشراب المحلى

- حبوب الإفطار

- الزيوت والدهون الأخرى

مضار أخرى للنظام الغذائي الغني بالسكريات

إلى جانب رفع مستويات الكولسترول، يرتبط الإفراط في تناول السكر المضاف بزيادة خطر الإصابة بعدة مشكلات صحية أخرى، منها:

السكري من النوع الثاني

ارتفاع ضغط الدم

أمراض القلب

زيادة الوزن

السمنة

متلازمة الأيض

تسوس الأسنان

ورغم أن المشروبات المحلاة تُعد من أبرز مصادر السكر الضار، فإن السكر الموجود في الأطعمة لا يزال ينبغي تناوله باعتدال.

كيف نقلل من استهلاك السكر؟

لحماية القلب وتعزيز الصحة العامة، إليك بعض النصائح لتقليل استهلاك السكر المضاف:

- قراءة الملصقات الغذائية: تعرف على أسماء السكر المختلفة المدرجة في المكونات، مثل السكروز، والجلوكوز، والدكستروز، وشراب الجلوكوز، وشراب الذرة عالي الفركتوز، والدكسترين، والمحليات الصناعية الأخرى.

- التقليل من المشروبات المحلاة: استبدل المشروبات الغازية والعصائر المحلاة بالماء أو المشروبات غير المحلاة. يُنصح بعدم تناول أكثر من مشروب محلى واحد في الأسبوع.

- مراقبة حجم الحصص الغذائية: تقليل الكمية يساهم في تقليل السكر دون الحاجة لتغيير جذري في النظام الغذائي.

- استبدال الحلويات السكرية بالفواكه: الفواكه تحتوي على سكريات طبيعية بالإضافة إلى الألياف والعناصر الغذائية المفيدة.

- التفكير في بدائل السكر: يمكن استبدال السكر بمحليات خالية من السعرات لتقليل كمية السعرات الحرارية، لكن يجب الحذر. فبينما تُعد كحوليات السكر مثل السوربيتول والزيليتول خياراً أفضل نسبياً، فإن المحليات غير المغذية مثل الأسبارتام (Equal) والسكرالوز (Splenda) ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكري وزيادة الوزن وحتى السرطان.

- الطبخ وتناول الطعام في المنزل قدر الإمكان: يمنحك هذا سيطرة أفضل على مكونات طعامك، بما في ذلك كمية السكر المضاف.


مقالات ذات صلة

حرقة المعدة المتكررة قد تكون مؤشراً على حالة أخطر

صحتك «بوابة الحمض» قد تضعف عندما يرتخي الصمام المريئي السفلي أو يبقى مفتوحاً جزئياً (بكساباي)

حرقة المعدة المتكررة قد تكون مؤشراً على حالة أخطر

تُعدُّ حرقة المعدة عارضاً مؤقتاً ومزعجاً فحسب، ولكن استمرارها فترات طويلة قد يقود إلى مضاعفات أكثر خطورة، وقد يصل في بعض الحالات إلى مراحل ما قبل السرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الكافيين منبه يؤثر على الهرمونات المسؤولة عن النوم (متداولة)

متى عليك التوقف عن تناول الطعام قبل النوم؟

ينصح الخبراء عادةً بالامتناع عن تناول الطعام خلال ثلاث ساعات قبل النوم للحصول على نوم هانئ وتجنب مشاكل الجهاز الهضمي مثل الارتجاع الحمضي

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مرحاض (رويترز)

ما هو البراز الشبحي؟ ... وهل يعد مؤشراً على صحة جهازك الهضمي؟

قال موقع «هيلث» إن البراز الشبحي هو عبارة عن حركة للأمعاء لا تترك أي أثر في المرحاض، أو على ورق التواليت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
صحتك شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)

14 طريقة لخفض سكر الدم دون أدوية

يُعد خفض سكر الدم والحفاظ عليه ضمن المستويات الطبيعية أمراً بالغ الأهمية للصحة العامة إذ يسهم في تحسين الطاقة والمزاج والقدرة على التركيز 

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك الوجبات الغنية بالدهون غير الصحية تضر بخلايا الكبد (جامعة هارفارد)

كيف تؤثر الدهون على نمو خلايا الكبد السرطانية؟

أظهرت دراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة أن النظام الغذائي الغني بالدهون يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

أميركا تقر أول نسخة أقراص من علاج شهير لإنقاص الوزن

مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)
مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)
TT

أميركا تقر أول نسخة أقراص من علاج شهير لإنقاص الوزن

مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)
مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)

وافقت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه)» على أول نسخة بالأقراص من علاج شهير لمكافحة البدانة، يساعد على إنقاص الوزن، بحسب ما كشفت المختبرات الصيدلانية الدنماركية (نوفو نورديسك) المطوِّرة للعلاج.

ومن شأن هذا القرار أن يسمح بتيسير الوصول في الولايات المتحدة إلى هذه العلاجات الرائجة جداً لتخفيض الوزن، والتي تعدّ شديدة التطوّر في مجالها في نظر خبراء.

وتساعد هذه التقنية، التي وُضعت بداية لمعالجة داء السكّري، على محاكاة عمل الهرمون الهضمي «جي إل بي-1» الضابط للشهيّة، وهي تسوَّق تجارياً في سياق أدوية «أوزمبيك»، و«ويغوفي»، و«زيباوند».

وتتوفّر عادة على شكل محلول قابل للحقن، لكن يتمّ الآن تطويرها على شكل حبوب لتسهيل تناولها.

وأشارت «نوفو نورديسك»، في بيانها، إلى أن «حبوب ويغوفي» هي «أوّل... علاج بهرمون جي إل بي-1 عن طريق الفمّ يوافَق عليه للتحكّم بالوزن» في الولايات المتحدة.

وسبق للسلطات الصحية الأميركية أن وافقت على نسخة أخرى بالحبوب من هذه العلاجات واسعة التداول، لكن ليس لتخفيض الوزن.

وشهدت هذه العلاجات التي تتيح خسارةً كبيرةً في الوزن إقبالاً كبيراً في السنوات الأخيرة، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث تطال البدانة التي تعدّ مرضاً مزمناً نحو 40 في المائة من البالغين.

غير أنها ليست في متناول عدد كبير من المرضى؛ بسبب سعرها المرتفع الذي قد يتخطّى ألف دولار في الشهر.


«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات
TT

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

مع استعداد كثير من العائلات للتجمع خلال موسم الأعياد، تشهد حالات الإصابة بالإنفلونزا ارتفاعاً حاداً في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، كما كتبت ناتاشا إتزل*.

ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC)، فقد وصلت نتائج الاختبارات الإيجابية (المؤكدة) إلى أعلى مستوياتها المسجلة حتى الآن هذا الموسم.

سلالة متحورة من الفيروس

يُعد فيروس الإنفلونزا ««إيه- إتش 3 إن 2» (A H3N2) أكثر فيروسات الإنفلونزا شيوعاً هذا الموسم. وفي الأسبوع الماضي، نشرت مجلة «فاست كومباني» تقريراً عن سلالة متحورة جديدة من فيروس الإنفلونزا «A H3N2» تُعرف باسم السلالة الفرعية «كيه» (K) التي ظهرت بعد طفرات عدة.

أهم الأحداث

وإليكم ما تحتاجون إلى معرفته عنها:

- ارتفاع عدد الإصابات: تُظهر البيانات الحديثة ارتفاعاً حاداً في حالات الإصابة المؤكدة بالإنفلونزا. ووفقاً لبيانات «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» للأسبوع المنتهي في 13 ديسمبر (كانون الأول)، كانت نسبة العينات التي ثبتت إصابتها بالإنفلونزا 14.8 في المائة. وهذا هو أعلى مستوى للحالات المؤكدة حتى الآن هذا الموسم.

وبلغ إجمالي حالات الإصابة بالإنفلونزا 4.6 مليون حالة على مستوى البلاد. وتُشير تقديرات المراكز إلى وجود 49 ألف حالة دخول إلى المستشفيات، و1900 حالة وفاة بسبب الإنفلونزا.

- أنواع الفيروسات: أبلغت مختبرات الصحة العامة عن 927 فيروساً للإنفلونزا. من بينها 911 فيروساً من النوع «إيه» (A)، و16 فيروساً من النوع «بي» (B)، ومن بين 706 فيروسات من النوع «إيه» التي تم تحديد نوعها الفرعي، كان 89.9 في المائة منها من النوع «H3N2».

الولايات التي شهدت أعلى نشاط للإنفلونزا، تشمل ما يلي: كولورادو، ولويزيانا، ونيوجيرسي، ونيويورك، ورود آيلاند. وتُظهِر بيانات التتبع من وزارة الصحة بولاية نيويورك أن الحالات بلغت أعلى مستوياتها لهذا الموسم، مع أكثر من 5300 حالة دخول إلى المستشفى حتى الآن. وفي مدينة نيويورك، ارتفعت حالات الإصابة بالإنفلونزا بشكل ملحوظ.

وبسبب موسم الأعياد، ستتأخر البيانات هذا الأسبوع. وسيتم نشر بيانات الأسبوع المنتهي في 20 من هذا الشهر في 30 منه.

ما هي أعراض الإنفلونزا؟

تتراوح أعراض الإنفلونزا عادة من خفيفة إلى شديدة. وتقول «مراكز مكافحة الأمراض» إن هذه هي الأعراض الرئيسية التي يجب الانتباه إليها:

  • ارتفاع درجة الحرارة أو الشعور بالحمى والقشعريرة.
  • سعال.
  • التهاب الحلق.
  • سيلان الأنف أو انسداده.
  • آلام في العضلات أو الجسم عموماً.
  • صداع.
  • إرهاق (تعب).
  • احتمال الإصابة بالقيء والإسهال (أكثر شيوعاً عند الأطفال منه عند البالغين).

وتشير «المراكز» إلى أنه ليس كل من يُصاب بالإنفلونزا يُصاب بالحمى.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


العقم ليس دائماً لغزاً… الخلل يكمن أحياناً في «التموضع»

استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
TT

العقم ليس دائماً لغزاً… الخلل يكمن أحياناً في «التموضع»

استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة

بعد أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً من البحث السريري الهادئ بعيداً عن الأضواء، خرج إلى العلن اكتشاف طبي لافت قد يُعيد صياغة فهم الطب الحديث لما يُعرف بـ«العقم مجهول السبب» لدى النساء. ونشرت نتائج الدراسة، التي شملت 372 امرأة من 23 دولة، في ديسمبر (كانون الأول) 2025 في المجلة الدولية لأمراض النساء والتوليد: (International Journal of Gynecology & Obstetrics).

البروفسور موسى الكردي يقود مقاربة جديدة في علاج العقم

لقاء حصري

في لقاء حصري مع «الشرق الأوسط»، تحدث البروفسور موسى الكردي -الطبيب، والباحث البريطاني من أصل سوري، وأستاذ أمراض النساء والعقم المرتبط أكاديمياً بكلٍّ من جامعتي كمبردج ودمشق- عن الخلفيات العلمية لتقنية جراحية جديدة أعادت الاعتبار للمقاربة التشريحية الوظيفية البسيطة قبل اللجوء إلى أكثر تقنيات الإخصاب المساعد تعقيداً.

من أين بدأت الفكرة؟

يقول البروفسور موسى الكردي إن الشرارة الأولى لم تولد في مختبر، بل في العيادة، ومن ملاحظات سريرية تراكمت عبر سنوات طويلة من العمل في مراكز طبية داخل الشرق الأوسط وأوروبا، ولا سيما خلال مراحل تدريبه وتعاونه الأكاديمي في المملكة المتحدة.

ويضيف: «في بريطانيا تعلّمت قاعدة أساسية في الطب: لا تبدأ بالحل المعقّد قبل أن تُعيد طرح السؤال البسيط. لماذا لا يحدث الحمل، رغم أن كل الفحوص تبدو طبيعية»؟

ويتابع أن هذا السؤال، الذي قد يبدو بديهياً، قاده إلى إعادة النظر فيما كان يُسلَّم به طبياً، والبحث في العامل التشريحي الوظيفي الذي كثيراً ما يُهمَل في تقييم حالات العقم غير المفسَّر.

«العقم مجهول السبب»

* ماذا اكتشفتم بعد سنوات المتابعة؟

- يوضح البروفسور موسى الكردي أن المتابعة السريرية الطويلة كشفت نمطاً متكرراً لدى عدد كبير من النساء المصنَّفات ضمن «العقم مجهول السبب»: فحوص هرمونية طبيعية، إباضة منتظمة، أنابيب فالوب سليمة من الناحية الشكلية... ومع ذلك لا يحدث الحمل.

ويضيف: «بعد سنوات من المراقبة الدقيقة، تبيّن لنا أن المشكلة لم تكن في جودة البويضة، ولا في الهرمونات، ولا حتى في سلامة الأنابيب من حيث الشكل، بل في العلاقة المكانية بين الأعضاء. ففي بعض الحالات تكون قناة فالوب بعيدة تشريحياً عن موضع خروج البويضة، فلا تتمكن من التقاطها في اللحظة الحاسمة، رغم أن كل شيء يبدو طبيعياً في صور الأشعة، والفحوص التقليدية».

ويتابع الكردي موضحاً أن الطب الحديث، في كثير من الأحيان، يركّز على ما يظهر في التحاليل، ويغفل ما لا يُقاس بسهولة: «الأنبوب قد يكون سليماً، لكنه لا يعمل بكفاءته الوظيفية إذا لم يكن في الموضع الصحيح. هنا يكمن الخلل الذي ظلّ لسنوات يُصنَّف خطأً على أنه عقم بلا سبب».

تصحيح تشريحي يعيد الوظيفة الطبيعية

تقنية جديدة

* ما جوهر التقنية الجديدة؟

- تعتمد التقنية على إعادة التموضع التشريحي الدقيق للرحم إلى وضعه الأمامي الطبيعي، مع إنزال المبيضين وقناتي فالوب إلى موضع أقرب لقاع الحوض، بما يسمح للأنابيب باستعادة وظيفتها الفيسيولوجية الطبيعية في التقاط البويضة بعد الإباضة.

ويشرح الكردي أن هذه المقاربة تستند إلى مبادئ تشريحية كلاسيكية تُدرَّس في كليات الطب البريطانية، لكنها -للمرة الأولى-طُبِّقت سريرياً بصورة منهجية طويلة الأمد، مع تتبّع النتائج على مدى سنوات.

نتائج غير متوقعة

أظهرت نتائج الدراسة نسب حمل لافتة، بلغت:

- 87 في المائة لدى السيدات السليمات.

- 56 في المائة لدى من يعانين أليافاً رحمية، أو بطانة رحم مهاجرة، أو التصاقات حوضية.

ويصف البروفسور الكردي هذه النتائج بأنها «تفوق بكثير ما نشهده في محاولات متكررة من الإخصاب المساعد، خصوصاً لدى النساء فوق سن الأربعين، أو من لديهن تاريخ طويل من فشل أطفال الأنابيب».

دور الإخصاب المساعد

* ماذا عن أطفال الأنابيب؟

يؤكد البروفسور موسى الكردي أن هذه التقنية لا تلغي دور الإخصاب المساعد، ولا تنتقص من أهميته، لكنها تعيد ضبط تسلسل القرار الطبي، وتطرح سؤالاً غالباً ما يُهمَل في الممارسة السريرية الحديثة: هل استنفدنا فعلاً كل ما يمكن للجسد أن ينجزه بنفسه؟

ويقول: «في المدرسة الطبية البريطانية، نُعلَّم ألا ننتقل مباشرة إلى المختبر قبل التأكد من أن البيئة التشريحية والوظيفية داخل الجسد مهيّأة طبيعياً للحمل. وهذه التقنية لا تنافس أطفال الأنابيب، بل تمنح الجسم فرصة عادلة أولاً، وقد تُغني كثيراً من النساء عن تدخلات معقدة، أو تجعل نتائجها لاحقاً أكثر نجاحاً».

فريق بحثي بخلفية دولية

شارك في تطوير ونشر هذه التقنية فريق علمي متعدد الخلفيات، يجمع بين الخبرة السريرية في الشرق الأوسط والتكوين الأكاديمي في أوروبا، وبريطانيا، فكان مع البروفسور موسى الكردي: الدكتور أشرف زرقان، طبيب وباحث بريطاني من أصل سوري، وأستاذ وباحث في جامعة كمبريدج، ومتخصص في الأبحاث السريرية المرتبطة بعلاج العقم غير المفسَّر. البروفسور أحمد خطاب، باحث بريطاني من أصل فلسطيني، له إسهامات علمية في مجال الخصوبة، والبيولوجيا الإنجابية، وشارك في التحليل العلمي والسريري لنتائج الدراسة.

ويؤكد هذا التنوع الأكاديمي والجغرافي للفريق البحثي أن الدراسة لم تكن جهداً محلياً معزولاً، بل نتاج تعاون علمي عابر للحدود، يجمع بين المنهجية البريطانية الصارمة والخبرة السريرية المتراكمة في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس في قبول البحث، ونشره في مجلة دولية مرموقة تصدر عن دار النشر العالمية «Wiley».

الرسالة الأوسع

يختم البروفسور موسى الكردي اللقاء برسالة إنسانية تتجاوز لغة الأرقام ونِسَب النجاح، قائلاً: «ليس كل ما عجزنا عن تفسيره يجب أن نُسميه مجهولاً. أحياناً يحتاج الطب أن يتراجع خطوة، لا ليضعف، بل ليُحسن الرؤية؛ أن ينظر إلى الجسد كما هو، لا كما اعتدنا أن نُصوّره في المختبر».

ويستحضر هذا المنهج ما قاله الطبيب والفيلسوف العربي الكبير ابن النفيس قبل قرون، حين نبّه إلى أن فهم المرض لا يكتمل بتشريح العضو وحده، بل بفهم وظيفته وسياقه داخل الجسد كله، وكأن هذا الاكتشاف الحديث يعيد صدى تلك الحكمة القديمة بلغة الجراحة المعاصرة.

خلاصة

لا يقدّم هذا الإنجاز تقنية جراحية جديدة فحسب، بل يعيد فتح ملف «العقم مجهول السبب» من زاوية علمية أكثر هدوءاً ونضجاً: بسِّط السؤال... قبل أن تُعقِّد الجواب.

وفي هذا التقاطع اللافت بين منهج الطب العربي الكلاسيكي، الذي قام على الملاحظة، والتشريح، والتأمل، والمدرسة الطبية البريطانية الحديثة، التي تُقدّم المنهجية قبل التدخل، تتجلّى رسالة واحدة عابرة للعصور:

إن التقدّم الحقيقي في الطب لا يكون دائماً بإضافة أدوات جديدة، بل أحياناً بالعودة الحكيمة إلى أساسيات الجسد، والوظيفة، والفطرة.