«التياترو الكبير»... مسرح بيروت العريق يستعد للعودة إلى الحياة

مبادرة دولية تنطلق من الشارقة بمليون دولار لإعادة إحياء الصرح الثقافي التاريخي

قبّة «التياترو الكبير» من الداخل (مواقع التواصل)
قبّة «التياترو الكبير» من الداخل (مواقع التواصل)
TT

«التياترو الكبير»... مسرح بيروت العريق يستعد للعودة إلى الحياة

قبّة «التياترو الكبير» من الداخل (مواقع التواصل)
قبّة «التياترو الكبير» من الداخل (مواقع التواصل)

خبر سارّ للبنانيين، إطلاق حملة دولية لإعادة إحياء «التياترو الكبير» الذي لعب دوراً مركزياً من ثلاثينات حتى سبعينات القرن الماضي في تعزيز دور بيروت الثقافي والفنّي خلال تلك المرحلة الذهبية. وإذ نالت الحرب الأهلية منه، وتركته مشوَّهاً مدمراً، فإنّ عملية إعادة الإعمار الكبرى لوسط بيروت عنيت بالأسواق والفنادق والمقاهي، ولم تلحظ ترميمه أو بثّ الحياة فيه من جديد، وتُرك على ما هو عليه. ومحاولة المسرحية نضال الأشقر والمخرج نبيل الأظن وفنانين آخرين، بإشراف وزارة الثقافة يوم كان غسان سلامة وزيراً للثقافة للمرة الأولى، لم تصل إلى نهايتها السعيدة، ورُمّمت الواجهات الخارجية فقط، وبقي الداخل على حاله.

وعام 2011، كان هناك مشروع لتحويله إلى فندق، تماشياً مع رغبة المالكين، لكن لحُسن الحظّ لم يتم، وبقي المكان مغلقاً. وغالباً ما بقي «التياترو» مُسيّجاً، وممنوع على الناس الدخول إليه. ومع اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، دخل المنتفضون إلى المبنى ورفعوا العلم اللبناني على سطحه، مُحتجّين على حرمانهم من ممتلكاتهم العامة، كونه ضمن ملكيات شركة «سوليدير» التي لم تبادر إلى ترميمه. ويرجى أن تكون المحاولة الحالية أكثر نجاعة من سابقتها، وأن تحصل وزارة الثقافة على التمويلات التي تحتاج إليها كي تتمكن من مباشرة العمل بسرعة، بالتعاون مع منظمة «اليونيسكو»، قبل أن تفتر الهمم من جديد.

هذا الصرح المسرحي أقيم فيه حفل تأبين جبران خليل جبران عام 1931 بعد وصول جثمانه إلى لبنان، بحضور الأدباء أمين الريحاني، وخليل مطران، والأخطل الصغير، وإلياس أبو شبكة، وآخرين. وهنا استُقبلت أم كلثوم في أثناء زيارتين لها إلى لبنان، حيث أقامت حفلَيْن، استمر أحدهما حتى الثانية والنصف بعد منتصف الليل. وفي «التياترو» غنَّى محمد عبد الوهاب للمرة الأولى أمام الجمهور «يا جارة الوادي» بحضور أحمد شوقي وخليل مطران والأخطل الصغير، وعُرض فيلم «الوردة البيضاء» إلى جانب أفلام أخرى باتت تاريخية في مسار السينما العربية.

قبل أيام، أطلق وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة حملة تبرّعات دولية لإعادة إحياء «التياترو الكبير»، وإلى جانبه المديرة العامة لـ«اليونيسكو» أودري أزولاي، ووفد من إمارة الشارقة ضم رئيس هيئة الشارقة للثقافة والفنون عبد الله محمد العويس، والسكرتير الأول في سفارة دولة الإمارات في لبنان محمد الغفلي، ومدير مكتب رئيس هيئة الشارقة للثقافة والفنون عمران السويدي. فقد افتتح حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، المانح الرئيسي، الحملة الدولية بمبلغ مليون دولار، وهو ما يمكن أن يُشجّع المانحين الآخرين. وحضر إطلاق المبادرة مدير مكتب «اليونيسكو» في بيروت بابلو فونتاني، والمندوبة الدائمة للبنان لدى «اليونيسكو» السفيرة هند درويش، ومدير عام الآثار المهندس سركيس الخوري، والمستشار المعماري جاد تابت.

«التياترو الكبير» متضرّراً بعد الحرب (مواقع التواصل)

صرّح سلامة بعد الزيارة قائلاً: «إن وزارة الثقافة، قبل كل شيء، بصفتها حارسة الذاكرة الوطنية، لا يمكنها قبول بقاء هذا المكان، الذي كان مركزاً ثقافياً خلال استقلال هذا البلد وقبله، على هذه الحال». وأضاف: «لقد تحقّق حلم كثيرين: إحياء المسرح الكبير وترميمه وتطويره. ووزارة الثقافة، وهي طرف فاعل في عملية الانتعاش الاقتصادي، تضطلع بهذا العمل لإدراكها أنه عنصر مهم في عملية الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان».

ولفت إلى أنّ «التعاون مع أشقائنا العرب والمنظمات الدولية ممكن ومثمر». شاكراً الأشقاء في إمارة الشارقة وفي مقدمتهم الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، ومنظّمة «اليونيسكو» على اهتمامهم بالمشروع.

هذا الصرح الذي دارت فيه أهم الأحداث الثقافية منذ الثلاثينات حتى اندلاع الحرب الأهلية، شاهد على أكثر سنوات بيروت ازدهاراً، يوم كانت تجتذب الفرق المسرحية والفنانين والمتفرّجين من العالم.

وتذكُر خالدة السعيد في كتابها «الحركة المسرحية في لبنان» شهادة حيّة من الفنان فيليب عقيقي يقول فيها: «كان التياترو الكبير أحلى المسارح، ومجهزاً تجهيزاً جيداً. وكانت فرقة الكوميدي فرنسيز تلعب عليه في أثناء جولاتها».

ويُذكر أن «التياترو» شُيّد خلال موجة فوران الحركة المسرحية مطلع القرن الماضي في بيروت، وسبقه «مسرح الكريستال» الذي كان يستقبل مسرحيات، بينها التي كانت تأتي من مصر، وعلى خشبته قدّم جورج أبيض أعماله، كما أقام محمد عبد الوهاب أول حفلاته. والمسرح الآخر الذي وُجد في تلك المرحلة هو «شيدوفر» الذي يرجع لعائلة كريدية في وسط بيروت، وهُدم بسبب شق طريق.

افتُتح «التياترو الكبير» ليصبح الأكبر والأهم والأفخم. يجمع في معماره بين الهندسة الإسلامية والغربية. فهو مزدان من الخارج بقناطر وزخارف، وفي الداخل له روح دور الأوبرا الغربية بكلّ مكوناتها، سواء بمدخله أو بترتيب صالاته وشرفاته. وهناك صالة انتظار مستديرة عند المدخل، ودرجان يقودان إلى بلكونَيْن يتّسع كلّ منهما لعشرات المتفرّجين. أما الصالة الرئيسية والخشبة ومكان جلوس الأوركسترا، فكلّها صُمّمت وشُيّدت لتتناسب والمقاييس العالمية.

كان المكان في البدء مستودعاً للزوارق، ثم بمبادرة من جاك ثابت، بدأ العمل في بنائه عام 1927، بعدما صمّمه المهندس المعماري يوسف أفتيموس، الذي سبق وصمّم مبنى بلدية بيروت و«بيت بيروت»، وفيه من روح «التياترو»، وبرج الساعة في السرايا الكبيرة.

في الخمسينات، بدا أنّ وهج المسرح قد خبا تحت وطأة تدفُّق الأفلام السينمائية، فتحوّل «التياترو» إلى مكان لعروض الأفلام. ويبدو أنّ الناس في تلك الفترة هجرت المسرح ولم تعُد ترغب فيه، إلى أن عادت الفورة إلى بيروت مع عمل الرواد الذين أسّسوا لنهضة مسرحية حديثة، مثل نضال الأشقر، وروجيه عساف، وأنطوان ملتقى، ومنير أبو دبس وآخرين.

لكن الحرب كانت أقوى من الفنون. و«التياترو الكبير» القابع في وسط بيروت على خطوط التماس بين المنطقتين الشرقية والغربية، أصبح العمل فيه مستحيلاً مطلع الثمانينات. وبدل المسرح، أصبح المكان خراباً. وعندما هدأت الحرب، وأخذ وسط بيروت الاهتمام الأكبر في الإعمار والبناء، كان هناك وعد بإعادة النبض إلى هذا الصرح الثقافي التاريخي، لكنَّ الوعد لم يُنفذ. واليوم يؤمَّل في الوزير سلامة أن ينجز ما لم يتمكن منه وزراء سبقوه. فهو لا يزال يشدّد على أنّ «إحياء المعالم الثقافية هو استثمار في مستقبل لبنان وهويته»، داعياً إلى عقد شراكات عربية ودولية لتعزيز هذا النهج في مواقع أخرى من لبنان.


مقالات ذات صلة

«حبّ في شبه مدينة»... مسرحية عن الإنسان العالق في المكان المُنهَك

يوميات الشرق في هذا المشهد لا خلاص واضحاً... فقط هدنة قصيرة مع الواقع (الشرق الأوسط)

«حبّ في شبه مدينة»... مسرحية عن الإنسان العالق في المكان المُنهَك

الحوار مُحمَّل بالدلالة ومبنيّ على شذرات اعتراف تتقاطع فيها السخرية السوداء مع الإحباط العميق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)

«شي تيك توك شي تيعا»... طارق سويد يُحرز المختلف

اختار طارق سويد أبطال المسرحية من بين طلابه الموهوبين في أكاديمية «بيت الفنّ» التي تديرها زميلته الممثلة فيفيان أنطونيوس...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مسرحية «كارمن» حصدت عدة جوائز (البيت الفني للمسرح)

المسرح المصري يراهن على إعادة «العروض الناجحة» لاجتذاب الجمهور

يراهن المسرح المصري على إعادة تقديم العروض الناجحة لاجتذاب الجمهور من كل الفئات، وفي هذا الصدد أعلن البيت الفني للمسرح عن أسبوع حافل بالعروض في مسارح الدولة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق النية واضحة لكنّ الخشبة تطلب أكثر من صدق الشعور (الشرق الأوسط)

«ويلة عيد»... نيّة صادقة ونتيجة خفيفة

«ويلة عيد» مسرحية خفيفة ومتقشّفة فنّياً، تحكمها نوايا إنسانية واضحة، لكنها تفتقر إلى العمق الذي يجعلها تُحسَب تجربةً مسرحيةً مُكتملة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
أوروبا بريجيت ماكرون زوجة الرئيس الفرنسي تصل إلى مراسم إحياء الذكرى العاشرة لهجمات إرهابية في باريس... 13 نوفمبر 2025 (أ.ب)

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

قالت بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنها تشعر بـ«الأسف» إذا كانت تصريحاتها قد آذت نساءً تعرّضن للعنف الجنسي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.