بعدما نجوا من القصف... حياة آلاف الغزيين مهدَّدة بسقوط البنايات المتضررة

يخاطرون بحياتهم ولا يعيشون في خيام تتقاذفها الرياح

فلسطينيون متجمعون لتناول طعام الإفطار الرمضاني وسط الركام بشمال قطاع غزة في 15 مارس (رويترز)
فلسطينيون متجمعون لتناول طعام الإفطار الرمضاني وسط الركام بشمال قطاع غزة في 15 مارس (رويترز)
TT
20

بعدما نجوا من القصف... حياة آلاف الغزيين مهدَّدة بسقوط البنايات المتضررة

فلسطينيون متجمعون لتناول طعام الإفطار الرمضاني وسط الركام بشمال قطاع غزة في 15 مارس (رويترز)
فلسطينيون متجمعون لتناول طعام الإفطار الرمضاني وسط الركام بشمال قطاع غزة في 15 مارس (رويترز)

كانوا على وشك الالتفاف حول موائد السحور في بناية على أطراف مخيم جباليا بشمال قطاع غزة قبل فجر الاثنين، حين سمعوا «طقطقات» في المبنى المتضرر بفعل القصف الإسرائيلي، فتركوا الطعام ولاذوا بالفرار قبل أن ينهار.

سقط المبنى المكون من ثلاثة طوابق، كل منها يحوي شقتين، وبكل شقة عائلة تضم من 5 إلى 14 فرداً، في منطقة الفاخورة على أطراف المخيم.

والواقعة متكررة. ففي الآونة الأخيرة سقطت بنايات ومنازل متضررة في مناطق عدة بقطاع غزة بعد أن كانت قد تعرضت لقصف إسرائيلي مباشر، أو كانت في محيط استهدافات خلال الحرب التي استمرت 15 شهراً قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

فبعدما نجوا من القصف، لا تزال حياة الآلاف من سكان القطاع مهددة بانهيار المباني التي لم يكن لهم سواها من محيص بعد هدوء أصوات المدافع والانفجارات. أزالوا الركام عن أجزاء منها للعيش فيها، بدلاً من البقاء في خيام لا تكاد تسترهم أو تقيهم قسوة البرد والمطر، أو في مراكز إيواء تُفقدهم وأُسرهم أي خصوصية.

كانت قوة إسرائيلية قد فجَّرت، خلال العملية العسكرية الأخيرة في مخيم جباليا قبل الإعلان عن التوصل لوقف إطلاق النار، جهازاً آلياً في محيط البناية التي ظهرت فيما تبقى من هيكلها تصدعات واضحة قبل أن تسقط قبيل فجر الاثنين. وتمكن مَنْ بالداخل من النجاة بأرواحهم.

يقول عبد الله حميد (41 عاماً)، ابن مالك البناية، إنهم شعروا في الأيام الأخيرة بأن المنزل سيسقط في أي لحظة، وكانوا يرقبونه باستمرار خشية انهياره عليهم. ولأنه لم تكن هناك بدائل سكن أخرى؛ اضطروا إلى البقاء فيه، مفضلين المخاطرة بحياتهم على العيش في خيام مهترئة تتقاذفها الرياح.

ويروي حميد لـ«الشرق الأوسط» كيف نجوا حين سمع أحد أقاربهم قبيل السحور «طقطقات» من السطح، فأدرك أن المبنى قد ينهار في أي لحظة، وطلب من الجميع مغادرته فوراً. وخرج الجميع، صغاراً وكباراً، قبل أن ينهار تماماً.

ويقع المنزل مقابل مدرسة الفاخورة التي شهدت خلال الحرب مجزرتين نتيجة قصفها جواً وبالمدفعية. ومن قبل ذلك كانت المدرسة قد أُحرقت خلال حرب 2008 – 2009 باستخدام الفسفور الأبيض المحرم دولياً.

ويقول حميد: «كادت أن تحصل مجزرة جديدة هنا في هذه المنطقة التي اشتُهرت بالكثير من المجازر في الحروب والعمليات الإسرائيلية، ولكن نجونا هذه المرة بعد أن سبق ونجونا من مجازر وغارات في الحرب الأخيرة وفي غيرها».

انهيارات متكررة

لم تكن هذه الحادثة الأولى التي تقع في الآونة الأخيرة؛ ففي غضون 3 أيام خلال الأسبوع الماضي انهار برجان في منطقة أبراج الكرامة بشمال مدينة غزة، وكان أحدهما قد عاد إليه بعض السكان للعيش فيه، وكانت به عشرات العائلات قبل إخلائه بعد تحذيرات وردت من جهاز الدفاع المدني بإمكانية سقوطه، وهو ما حدث بعد الإخلاء بيوم واحد.

كما سقط مبنى مكون من 4 طوابق في حي الشجاعية، وآخر مكون من طابقين في حي الصبرة، وثالث في حي الزيتون، وذلك في غضون شهر واحد.

وتسببت هذه الحوادث في بعض الإصابات، دون خسائر في الأرواح.

سيدة فلسطينية تُعدّ طعام الإفطار الرمضاني ببيتها المتضرر من القصف بمدينة غزة في 15 مارس (إ.ب.أ)
سيدة فلسطينية تُعدّ طعام الإفطار الرمضاني ببيتها المتضرر من القصف بمدينة غزة في 15 مارس (إ.ب.أ)

ويقول محمد طوطح (56 عاماً)، من سكان حي الزيتون بجنوب مدينة غزة، إنه يعيش في منطقة المصلبة، وهي منطقة مدمرة بالكامل تقريباً.

ولفت إلى أنه منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من الحي منذ نحو 3 أشهر، انهار ما لا يقل عن 7 منازل في المنطقة، من بينها منزل ابن عمه المكون من طابق علوي وآخر أرضي، مشيراً إلى أنه انهار بفعل قصف جوي طال منازل مجاورة عدة.

وأضاف: «نعيش هنا بحالة خوف شديد، ونخشى من انهيار منازلنا ومنازل بجوارنا فنفقد حياتنا وحياة أطفالنا الذين يخافون الخروج للشوارع حتى لا تسقط عليهم جدران تلك المنازل».

وتوجَّه المتضررون للجهات المختصة كي تتحرك لوقف هذا الخطر، إلا أنهم اصطدموا بالواقع: الجهات المعنية، سواء الدفاع المدني أو البلديات، عاجزة عن تقديم أي خدمات بعد أن فقدت كل معداتها.

«خطر داهم»

أصدر سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، بياناً يوم الاثنين يُحذّر فيه من انهيار مئات المباني الآيلة للسقوط جراء قصفها أو حرقها خلال الحرب، وهو ما قال إنه يشكل «خطراً داهماً على حياة آلاف المواطنين الذين يعيشون داخلها أو في محيطها».

وأضاف البيان أنه تم تحديد 220 مبنى آيلاً للسقوط وجرى إخلاؤها من ساكنيها وتحذير المحيطين بها.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، في تصريحات صحافية، الاثنين، إن مئات المنازل والمباني في القطاع مهددة بالانهيار نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بها جراء القصف والحرق.

وأشار بصل إلى أن الظروف المأساوية التي تعيشها آلاف العائلات في منازل آيلة للسقوط تشكل تهديداً حقيقياً لحياة أفرادها. ودعا إلى تدخل المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية لتوفير حلول عاجلة.

وترفض إسرائيل حتى الآن إدخال أي معدات ثقيلة تساهم في إزالة الأنقاض والركام، والعمل على ترميم أو إزالة المنازل والبنايات الآيلة للسقوط، والتي تشكل خطراً حقيقياً على السكان في كل أنحاء القطاع، خصوصاً مدينة غزة وشمالها.

وكان من المفترض السماح بإدخال هذه المعدات من مصر إلى قطاع غزة خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في التاسع عشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، إلا أن إسرائيل لا تزال تماطل في ذلك.

ويصف توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، حجم الدمار وصعوبة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنه لا مثيل له في كل مناطق الصراع حول العالم. فيما سبق أن وصفه مونغو بيرتش، المسؤول عن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، بأنه أكبر من الدمار في أوكرانيا ودول أخرى تشهد صراعات.

فلسطينيون متجمعون بين مبانٍ مدمَّرة في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة لتناول طعام الإفطار الرمضاني (إ.ب.أ)
فلسطينيون متجمعون بين مبانٍ مدمَّرة في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة لتناول طعام الإفطار الرمضاني (إ.ب.أ)

وتشير تقارير أممية ودولية، بالاعتماد على تقارير موثقة من الميدان أو من خلال صور الأقمار الاصطناعية، إلى أن أكثر من 75 في المائة من منازل القطاع قد دُمّرت بالكامل أو لحقت بها أضرار بالغة.

وتؤكد تلك التقارير بما فيها الصادرة عن الخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي أن قطاع غزة في حاجة إلى عقد من الزمن حتى يُعاد إعماره، وسط تقديرات أنه قد يحتاج لأكثر من 15 عاماً.

كما تشير تقديرات جهات فلسطينية وأخرى دولية وأممية إلى وجود أكثر من 55 مليون طن من الركام بقطاع غزة، وإلى أن إزالة الأنقاض ستستغرق فترات طويلة.

وبحسب الخطة المصرية المدعومة عربياً لإعادة إعمار قطاع غزة، هناك حاجة ماسة إلى مبلغ 53 مليار دولار من أجل إعادة الإعمار، بما يشمل مراحل التعافي المبكر من خلال إزالة الأنقاض والتعامل مع المنازل الآيلة للسقوط.


مقالات ذات صلة

«حماس» تدعو العرب والمسلمين إلى التحرك لوقف «الإبادة» في غزة

المشرق العربي خيام النازحين الفلسطينيين بالقرب من مبانٍ مُدمّرة نتيجة الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (إ.ب.أ) play-circle

«حماس» تدعو العرب والمسلمين إلى التحرك لوقف «الإبادة» في غزة

دعت «حماس» الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف الهجوم الإسرائيلي المتجدد على غزة، قائلة إن عليها مسؤولية سياسية وأخلاقية لوقف «الإبادة».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مبانٍ مدمرة في قطاع غزة نتيجة للحرب (رويترز) play-circle

الأمم المتحدة: تجدد العنف في غزة يجعل عودة الرهائن أمراً صعباً

قالت الأمم المتحدة، اليوم الخميس، إن استمرار العنف في قطاع غزة يجعل عودة الرهائن المتبقين هناك هدفاً صعباً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية تقوم بعملية عسكرية داخل قطاع غزة (رويترز) play-circle 00:31

الجيش الإسرائيلي يوسع عمليته البرية في قطاع غزة إلى رفح

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، توسيع عمليته البرية في غزة لتشمل منطقة رفح في أقصى جنوب القطاع، مؤكداً أن عملياته مستمرة أيضاً في شمال ووسط القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من قطاع غزة بعد غارة إسرائيلية (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن اغتياله قائد جهاز الأمن العام في غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) مقتل اثنين من كبار مسؤولي حركة «حماس» في غارات جوية على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إيلا أسامة أبو دقة (25 يوماً) تحتضنها عمتها الكبرى سعاد أبو دقة بعد انتشال الطفلة من تحت الأنقاض في وقت سابق عقب غارة جوية بخان يونس جنوب غزة 20 مارس 2025 (أ.ب)

إنقاذ الرضيعة إيلا من ركام منزل عائلتها بخان يونس (صور)

بينما كان رجال الإنقاذ يحفرون بين ركام مبنى سكنيّ انهار في خان يونس بغزة جراء غارة جوية إسرائيلية، اليوم الخميس، سمعوا صراخ رضيعة من تحت الركام.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حماس» تدعو العرب والمسلمين إلى التحرك لوقف «الإبادة» في غزة

خيام النازحين الفلسطينيين بالقرب من مبانٍ مُدمّرة نتيجة الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (إ.ب.أ)
خيام النازحين الفلسطينيين بالقرب من مبانٍ مُدمّرة نتيجة الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (إ.ب.أ)
TT
20

«حماس» تدعو العرب والمسلمين إلى التحرك لوقف «الإبادة» في غزة

خيام النازحين الفلسطينيين بالقرب من مبانٍ مُدمّرة نتيجة الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (إ.ب.أ)
خيام النازحين الفلسطينيين بالقرب من مبانٍ مُدمّرة نتيجة الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة (إ.ب.أ)

دعت حركة «حماس»، الخميس، الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف الهجوم الإسرائيلي المتجدد على قطاع غزة، قائلة إن عليها «مسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة» لوقف «الإبادة».

واستأنفت إسرائيل ضرباتها الجوية، في وقت مبكر الثلاثاء، بموجة من الغارات الدامية التي أدت إلى خرق الهدوء النسبي الذي ساد الأراضي الفلسطينية منذ وقف إطلاق النار في 19 يناير (كانون الثاني).

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، توسيع عمليته البرية في غزة لتشمل منطقة رفح في أقصى جنوب القطاع.

وأعلن الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن عدد القتلى الفلسطينيين ارتفع، الخميس، إلى 504، نتيجة للضربات الجوية الإسرائيلية التي استؤنفت منذ فجر الثلاثاء.

وهذه الحصيلة هي الأعلى منذ بدء الحرب قبل أكثر من 17 شهراً بهجوم «حماس» على إسرائيل.

وقالت «حماس»، في بيان نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «استمرار المجازر (...) يلقي بمسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة على جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لوقف الإبادة التي تُرتكب أمام ناظر العالم أجمع».

وأضافت: «نطالب الدول العربية والإسلامية بالتحرك العاجل أمام المحافل الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي واتخاذ إجراءات فورية لوقف العدوان والابادة الجماعية بحق شعبنا الفلسطيني».

وأثار استئناف إسرائيل هجماتها بعد وصول المحادثات بشأن تمديد الهدنة إلى طريق مسدود، إدانات دولية واسعة.وامتدّت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار ستة أسابيع، تمّ خلالها الإفراج عن 33 رهينة بينهم ثماني جثث، في مقابل أكثر من 1800 معتقل فلسطيني.

لكنّ المفاوضات التي جرت أثناء التهدئة بوساطة قطر والولايات المتحدة ومصر وصلت إلى الطريق المسدود.

وتريد «حماس» الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تنصّ على وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من غزة، وإعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن المتبقين.

في المقابل، تريد إسرائيل تمديد المرحلة الأولى حتى منتصف أبريل (نيسان)، وتطالب بـ«نزع السلاح» من غزة وإنهاء سلطة «حماس» التي تحكم القطاع منذ عام 2007، للمضي قدماً في المرحلة الثانية.