مع غروب شمس كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك، يتحوَّل صحن الجامع الأزهر في قلب القاهرة التاريخية إلى مائدة إفطار جماعي، تجمع طلاب العلم الوافدين من شتى بقاع الأرض للدراسة بالأزهر، في مشهد يعكس روح «الأخوة بين المسلمين»، حيث تتنوع عليها الألوان والألسنة والأزياء، من آسيا وأفريقيا وأوروبا.
إفطار الصائمين الوافدين يقيمه الأزهر الشريف للعام الرابع على التَّوالي؛ حيث تُوزَّع 5 آلاف وجبة يومية، بإجمالي 150 ألف وجبة طوال رمضان المبارك؛ يقدمها «بيت الزكاة والصدقات» تحت إشراف شيخ الأزهر؛ بهدف اجتماع الطلاب الوافدين من مختلف الجنسيات على مائدة واحدة، وتعبيراً من الأزهر عن الاهتمام بهم ورعايتهم.

و«يحرص الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على متابعة إفطار الطلاب الوافدين وتذليل العقبات كافة، وتقديم أفضل خدمة لروَّاد الجامع»، بحسب تأكيدات الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، الذي يؤكد - وفق بيان للأزهر- أن مشهد الإفطار الجماعي في الجامع الأزهر من المشاهد التي تُسر القلب، وتدل على عالمية رسالة الأزهر؛ حيث يجتمع في هذا الإفطار طلاب أكثر من 120 دولة حول العالم، يتلون كتاب الله، ويتناولون الطعام، ويتبادلون النقاشات.
وتنطلق تجهيزات الإفطار عقب صلاة العصر مباشرة، بمشاركة من المنظمين من شباب الأزهر، الذين يحرصون على توفير أفضل الخدمات للصائمين، والحفاظ على النظام داخل صحن الجامع بما يليق بعراقة الأزهر وتاريخه، ويبرز جمال تنظيم هذه المائدة الرمضانية.

ويحتفي الجامع الأزهر، الجمعة 7 رمضان بمرور 1085 عاماً هجرياً على تأسيسه. ويبلغ عدد الطلاب الوافدين الدارسين بالأزهر الشريف، سواء في التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي نحو 76 ألف طالب وطالبة، منهم 40 ألفاً في التعليم الجامعي، وفق الدكتور أشرف رجب إبراهيم، مسؤول وحدة الرعاية الطلابية بمركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب، الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تستهدف مبادرة الإفطار بشكل خاص طلاب الجامعة الوافدين، حيث توفر لهم فرصةً للتجمع في مكان واحد وتبادل الخبرات والتجارب، مما يخلق أجواءً من الألفة والمودة».
ويبيِّن أن الطلاب الوافدين يعبِّرون بشكل دائم عن فرحتهم وامتنانهم لهذه المبادرة، مبيناً أنه في الوقت نفسه هناك حالة احتفاء وفخر بين المصريين بأجواء الإفطار الجماعي، لكون مصر الدولة الوحيدة التي تحتضن هذا العدد الكبير من الطلاب، وتقدم لهم هذا الدعم والرعاية.
وعبَّر كثير من رواد التواصل الاجتماعي أن مائدة الوافدين ليست مجرد وجبة طعام، بل هي تجسيد حي لقيم العطاء والتواصل التي يحملها شهر رمضان المبارك، وأن مصر، وأزهرها الشريف، يفتحان أذرعهما للجميع.

المصوِّر المصري، محمود الخواص، واحد من الذين جذبهم مشهد المائدة، وانتشرت الصور التي التقطها بعدسته بين رواد «السوشيال ميديا». يقول الخواص لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت أن أنقل الصورة المبهجة التي يقوم بها الأزهر من خلال الإفطار، وكيف أنه عمل كبير من أصناف الخير، ومن جهة ثانية حاولت تسليط الضوء على هؤلاء الطلاب الذين تركوا بلادهم وقدموا فقط للعلم والتعلم في الأزهر، وكيف يعد الجامع الأزهر وجهةً يجتمع فيها طلاب العلم من مختلف الجنسيات والثقافات».

ويشير الخواص إلى أنه من خلال عدسته حاول التركيز على الروابط الإنسانية والأجواء الدافئة التي تجمع الطلاب رغم أنهم بعيدون عن أوطانهم، فمع أذان المغرب، يرتفع صوت المؤذن ليُعلن موعد الإفطار، وتتعالى أصوات الدعاء والتكبير، لتُضفي على المكان أجواء روحانية لا مثيل لها، وكذلك مبنى المسجد وعمارته، مع توضيح الاختلاف بين الملبس باختلاف الجنسيات، والزي الشرعي للطالبات.

