هل انهيار الحكومة الألمانية فرصة لإنعاش اقتصاد منطقة اليورو؟

الأسواق تراهن على إمكانية تخفيف السياسة المالية بعد الانتخابات

المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)
TT

هل انهيار الحكومة الألمانية فرصة لإنعاش اقتصاد منطقة اليورو؟

المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)

قد يكون لانهيار الحكومة الألمانية جانب إيجابي للاقتصاد المتعثر في منطقة اليورو، حيث من المحتمل أن تؤدي زيادة الإنفاق الحكومي إلى دعم عملتها وأسواق الأسهم، حتى وإن كان الطريق نحو ذلك غير واضح.

وتشير الأسواق بالفعل إلى توقعات بمزيد من الاقتراض الحكومي الذي قد يساعد على تحفيز الاقتصاد، مما دفع مقياساً مهماً لسوق السندات، الذي يقيس إصدار الديون، إلى تسجيل رقم قياسي، وفق «رويترز».

وكان سبب انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا هو الخلاف حول ما إذا كان يجب تعليق «فرامل الديون» في ألمانيا، التي تحد من الاقتراض. وتشير القراءة الأولية للأسواق إلى أن الانتخابات المبكرة في فبراير (شباط) قد تجلب مزيداً من اليقين لاقتصاد بالكاد تجنَّب الركود.

وتفوَّق أداء الأسهم الألمانية على نظيراتها الأوروبية عقب أنباء انهيار الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، وهو ما يُعدّ مؤشراً على تحول المزاج العام نحو التفاؤل، وذلك بعد ساعات من فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية، الذي رفع تهديد فرض التعريفات الجمركية في ضربة جديدة لأكبر اقتصاد في أوروبا.

وقال كبير الاستراتيجيين في مجموعة «زوريخ» للتأمين، جاي ميلر: «كانت ديناميكية النمو في ألمانيا ضعيفة إلى حد كبير، وكان جزء كبير من ذلك نتيجة لأخطاء داخلية، حيث تمسَّكت ألمانيا بفرامل الديون في وقت كان الاقتصاد يحتاج فيه إلى دعم».

وأضاف: «إن انهيار الائتلاف أمر إيجابي، ونحن نأمل في أن يتم منح مزيد من المجال المالي في موازنة 2025».

مأزق فرامل الديون

لطالما انتقد الاقتصاديون «فرامل الديون» التي تم تبنيها في عام 2009 لعرقلة نمو الاقتصاد الألماني، الذي يُتوقع أن يتقلص هذا العام.

ويُقدِّر رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في بنك «آي إن جي»، كارستن بريزسكي، أنَّ زيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 1 في المائة إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمدة 10 سنوات يمكن أن تعزز النمو المحتمل إلى 1 في المائة على الأقل مقارنة بنحو 0.5 في المائة حالياً.

وأضاف بريزسكي: «ألمانيا ليست في مشكلة مالية عامة، حيث إن ديونها تمثل فقط 63 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أن لديها مجالاً أكبر للإنفاق مقارنةً بدول مثل فرنسا وإيطاليا».

وأوضح قائلاً: «إذا أمكن الجمع بين الإصلاحات وتخفيف السياسة المالية، فليكن».

وكان صندوق النقد الدولي قد أشار أيضاً إلى ضرورة أن تنظر ألمانيا في تخفيف «فرامل الديون»، وأي إشارات على زيادة الإنفاق قد تعزز الأسهم الأوروبية.

وارتفع مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 6 في المائة فقط هذا العام، وهو أقل من رُبع الزيادة التي حققها مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأميركي بنسبة 26 في المائة.

ويتوقع بنك «باركليز» أن التحول نحو سياسات داعمة للنمو سيكون ضرورياً لتعديل تقييمات الأسهم الألمانية.

وتتوقع «سيتي غروب» أن تخفض المعارضة المحافظة، التي تتصدر استطلاعات الرأي، الضرائب، مما سيدعم الأسهم.

كما يمكن أن يستفيد اليورو، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أبريل (نيسان) الماضي عند نحو 1.06 دولار، مع إعادة ظهور الحديث عن انخفاضه إلى مستوى التعادل؛ بسبب مخاوف بشأن الرسوم الجمركية.

وأشار كبير استراتيجيي الفوركس في «سوسيتيه جنرال»، كيت جاكيس، إلى أن ألمانيا تجاوزت اليابان هذا العام بوصفها الدولة التي تملك أكبر كمية من الأصول الأجنبية، مما يعني أن لديها رأس مال كبيراً يمكن استخدامه للاستثمار في اقتصادها.

وقال جاكيس: «يمكن استخدام هذا المال لشراء سندات الحكومة الألمانية عالية العائد لتحفيز الاقتصاد». وأضاف أن هذا قد يكون له «تأثير كبير» على اليورو إذا أشارت الحكومة إلى تغيير ملموس في سياستها.

آمال في سياسة مالية أوروبية مشتركة

تأمل الأسواق في أن يؤدي التحول في السياسة الألمانية إلى فتح الباب أمام مزيد من الإنفاق المشترك على مستوى أوروبا. وقد يتطلب فوز ترمب في الانتخابات - في ظل دعوات ضخمة للاستثمار من أجل تعزيز القدرة التنافسية - من الاتحاد الأوروبي زيادةَ الإنفاق على الدفاع.

وقال رئيس استراتيجيات الأسهم الأوروبية في «أكسا لإدارة الاستثمارات»، غيليس غيبوي: «إن تغيير النغمة في ألمانيا أمر بالغ الأهمية للانتقال نحو مزيد من التكامل الأوروبي».

ووصف إقالة وزير المالية كريستيان ليندنر، وهو من المؤيدين للسياسات المالية الصارمة، بأنها «أخبار رائعة» لأوروبا، لكنه أضاف أن ما إذا كان ذلك سيكون كافياً يبقى موضع تساؤل.

التحديات السياسية على المدى القصير

بالطبع، يعني عدم الاستقرار السياسي مزيداً من الألم على المدى القصير للصناعة وقد يؤثر في المعنويات العامة.

وقد يحد المحافظون، الذين يُتوقع أن يقودوا الحكومة المقبلة، من زيادة الإنفاق. فزعيمهم فريدريش ميرز يريد التمسك بفرامل الديون.

وقال ميرز إن الإصلاحات تحتاج إلى الظروف المناسبة للاستثمار في البرامج الداعمة للنمو، لكنه أيضاً يريد السيطرة على الإنفاق الاجتماعي. كما عارض مزيداً من الديون المشتركة في الاتحاد الأوروبي.

ويتوقع «غولدمان ساكس» أن يدعم المحافظون تعديل فرامل الديون بزيادة متواضعة في الإنفاق، بنحو 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما سيبقي السياسة المالية «عبئاً» على النمو.

وفي الوقت نفسه، يوصي الاستراتيجي في «ماكواري»، تييري وزمان، بالرهان ضد اليورو في ظل عدم وجود ضمانات بحكومة إصلاحية.

المستقبل: هل سيكون التغيير في الأفق؟

يتوقع دافيد أونيغليا من شركة الاستشارات «تي إس لومبارد» أن الانتخابات المبكرة ستعيد إلى الواجهة النقاش حول نموذج النمو في ألمانيا، والمخاطر الأمنية للاتحاد الأوروبي «بكل إلحاح».

وقال: «أكبر خطر على رؤيتنا هو أنهم قد يفشلون في إدراك الحاجة إلى تغيير جذري، ويعودون إلى وصفات اقتصادية قديمة أصبحت الآن غير قابلة للتطبيق». وأضاف: «إذا حدث ذلك، فسيواجه الاقتصاد الألماني، والاقتصاد الأوروبي، بشكل عام أزمة أكثر شدة».


مقالات ذات صلة

الأسواق الأميركية تشهد انخفاضاً في العقود الآجلة بعد عطلة عيد الميلاد

الاقتصاد منظر عام لغرفة التداول في بورصة نيويورك (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الأميركية تشهد انخفاضاً في العقود الآجلة بعد عطلة عيد الميلاد

انخفضت العقود الآجلة لمؤشر الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في أحجام تداول منخفضة بعد عطلة عيد الميلاد، حيث أعاد المستثمرون تقييم محافظهم الاستثمارية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شخص ينظر إلى لوحة إلكترونية تعرض مؤشر «نيكي» الياباني في طوكيو (أ.ب)

الأسواق الآسيوية ترتفع في تعاملات هادئة بعد عطلة عيد الميلاد

ارتفعت الأسهم الآسيوية بشكل عام يوم الخميس في تعاملات هادئة بعد عطلة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الاقتصاد مستثمران يتابعان شاشة التداول في السوق المالية السعودية (رويترز)

تراجع طفيف لسوق الأسهم السعودية بتأثير من الطاقة

سجل «مؤشر الأسهم السعودية الرئيسية» (تاسي)، بنهاية جلسة الأربعاء، تراجعاً طفيفاً بنسبة 0.18 في المائة، إلى مستويات 11892.32 نقطة، وبسيولة قيمتها 2.8 مليار ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد يراقب متداولو العملات شاشات تعرض مؤشر «كوسبي» وسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الوون ببنك كيب هانا في سيول (أ.ب)

تراجع الأسهم الآسيوية مع إغلاق معظم الأسواق العالمية بمناسبة أعياد الميلاد

تراجعت الأسهم في طوكيو وشنغهاي، الأربعاء، بين الأسواق العالمية القليلة التي واصلت التداول في يوم أعياد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الاقتصاد أحد المستثمرين في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)

المحافظ الاستثمارية للأفراد في السعودية تنمو 12 % على أساس سنوي

حققت أعداد المحافظ الاستثمارية للأفراد في سوق الأسهم الرئيسية السعودية نمواً سنوياً بحوالي 12 في المائة في الربع الثالث من عام 2024، والنساء يستحوذن على 25 %.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«المركزي التركي» يخفض سعر الفائدة إلى 47.50 %

مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)
مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)
TT

«المركزي التركي» يخفض سعر الفائدة إلى 47.50 %

مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)
مبنى البنك المركزي التركي (رويترز)

خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة على «إعادة الشراء لمدة أسبوع (الريبو)»، المعتمد معياراً أساسياً لأسعار الفائدة، من 50 إلى 47.50 في المائة، متجاوزاً التوقعات السابقة.

وبعدما حافظ «البنك» على سعر الفائدة عند 50 في المائة خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، فقد قرر في اجتماع لجنته للسياسة النقدية، الخميس، خفض سعر الفائدة بواقع 250 نقطة أساس، متجاوزاً التوقعات السابقة التي تراوحت بين 150 و200 نقطة أساس.

كما أجرى «البنك المركزي» تغييرات على الإطار التشغيلي، وقرر خفض الفائدة على الودائع لليلة واحدة، وتحديد أسعار الفائدة على الاقتراض بهامش -/+ 150 نقطة أساس، مقارنة بسعر فائدة مزاد «الريبو» الأسبوعي.

رئيس البنك المركزي التركي فاتح كاراهان (موقع البنك)

وقال «البنك»، في بيان، عقب اجتماع اللجنة برئاسة رئيسه فاتح كاراهان، إن «الاتجاه الأساسي للتضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ظل قريباً من مستواه، لكن البيانات الأولية تشير إلى تراجع الاتجاه الأساسي في ديسمبر (كانون الأول)» الحالي.

وأضاف أن مؤشرات الربع الأخير من العام تظهر أن الطلب المحلي مستمر في التباطؤ، وأنه عند مستويات تدعم تراجع التضخم، و«في حين أن تضخم السلع الأساسية لا يزال منخفضاً، فإن التحسن في تضخم الخدمات أصبح واضحاً، بسبب ظروف العرض المؤقتة».

وتابع البيان أن تضخم أسعار الأغذية غير المصنعة كان معتدلاً في ديسمبر الحالي، بعد المسار المرتفع الذي سجله خلال الشهرين السابقين، «وعلى الرغم من أن توقعات التضخم وسلوكيات التسعير تُظهر اتجاهاً للتحسن، فإنها لا تزال تشكل عامل خطر من حيث عملية تباطؤ التضخم».

مراقبة التضخم

وتعهد «المركزي التركي» بالاستمرار في مراقبة مؤشرات التضخم واتجاهه الأساسي، والعمل على تقليل الاتجاه الرئيسي للتضخم الشهري، وتعزيز عملية خفض التضخم من خلال موازنة الطلب المحلي، وارتفاع قيمة الليرة التركية الحقيقية، وتحسين توقعات التضخم، لافتاً إلى أن زيادة تنسيق السياسة المالية ستساهم بشكل كبير في هذه العملية.

وأكد أنه سيجري الحفاظ على موقف السياسة النقدية المتشددة حتى يحقَّق انخفاض كبير ودائم في الاتجاه الأساسي للتضخم الشهري وتتقارب توقعات التضخم مع النطاق المتوقع.

وكرر البنك المركزي التركي موقفه الحذر تجاه المخاطر الصعودية للتضخم، مؤكداً أن أدوات التشديد النقدي ستُستخدم بشكل فعال إذا جرى توقع حدوث تدهور كبير ودائم في التضخم، «وفي حال حدوث تطورات غير متوقعة بأسواق الائتمان والودائع، فستُدعم آلية التحويل النقدي بخطوات احترازية كلية إضافية، وستُراقب ظروف السيولة من كثب، مع الأخذ في الحسبان التطورات المحتملة، وسيستمر استخدام أدوات التعقيم بشكل فعال».

زحام في إحدى أسواق إسطنبول خلال يوم عطلة (إعلام تركي)

وأكد البيان أن «البنك المركزي» سيحدد قرارات السياسة النقدية بطريقة من شأنها الحد من الاتجاه الأساسي للتضخم وتوفير الظروف النقدية والمالية التي تجعل التضخم يصل إلى هدف 5 في المائة على المدى المتوسط، مع الأخذ في الحسبان الآثار المتأخرة للتشديد النقدي.

وعقب انتخابات 2023، رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة من 8.5 إلى 50 في المائة ضمن محاولة للسيطرة على التضخم المتسارع، وحافظ على أسعار الفائدة دون تغيير في الأشهر الـ8 الماضية.

وتعهد «البنك» بأن يتخذ قراراته في إطار شفاف يمكن التنبؤ به وقائم على البيانات.

وساد ترقب واسع لقرار البنك المركزي التركي بشأن سعر الفائدة قبل انعقاد لجنة السياسة النقدية، وتوقعت مؤسسة «مورغان ستانلي» الأميركية أن يبدأ «البنك» خفض سعر الفائدة الرئيسي 200 نقطة أساس، على أن يتبع ذلك بتخفيضات أخرى في أسعار الفائدة، مع توقع خفضَين إضافيين بمقدار 200 نقطة أساس بحلول نهاية الربع الأول من عام 2025، وهو ما سيؤدي إلى خفض سعر الفائدة إلى 44 في المائة بحلول مارس (آذار) المقبل.

وكانت توقعات خبراء الاقتصاد الأتراك تشير إلى خفض يتراوح بين 15 و200 نقطة أساس.