في وقت كان يشيد فيه مسؤولون ومتابعون بالمعارض الحكومية الدائمة التي تم تدشينها بالشوارع والميادين لمحاربة الغلاء ودعم الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً، لفتت مزادات بيع اللوحات المميزة للسيارات الانتباه لنمط جديد في البلاد يكرس «الوجاهة الاجتماعية» رغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر راهناً.
ويتنافس في هذه الآونة أفراد عدّة على اللوحات المميزة للسيارات من خلال مزادات مطروحة عبر بوابة «مرور مصر الإلكترونية»، فبينما يخوض 4 أشخاص المنافسة على لوحة بعنوان «د أ م 5555» وصل سعرها إلى 405 آلاف جنيه مصري، يتنافس 5 آخرون على لوحة بعنوان «ق ط ن 1» وصل سعرها إلى 666 ألف جنيه، فيما يزايد 3 أشخاص على لوحة «ن ق 5555» وصل سعرها إلى 250 ألف جنيه.
هذا الاتجاه الجديد عبارة عن خدمة أطلقتها إدارة المرور بوزارة الداخلية المصرية عام 2018، وتعتمد على تكوين (حروف وأرقام) مميزة للوحات السيارات وطرحها في مزاد علني، ويذهب العائد لصندوق «تحيا مصر».
ووفق أستاذة علم الاجتماع المصرية الدكتورة سامية خضر فإن «اللوحات المميزة للسيارات تعبّر عن تفاوت طبقي لافت في مصر»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المزادات تهمّ فئة معينة من المجتمع، ممن يمتلكون وحدات أو شاليهات في الساحل الشمالي، ويتباهون بامتلاك أغلى السيارات، ومن ثم يسعون للحصول على أرقام مميزة لها».
مزادات بيع اللوحات المميزة للسيارات، ليست ظاهرة مصرية فقط، بل تعرفها مدن عربية أخرى سبقت مصر إلى هذا التقليد، لا سيما دبي التي بيعت فيها لوحة تحمل رقم (1) بمبلغ 110 ملايين درهم، وفق الخبير المروري اللواء صلاح عبد الوهاب الذي يوضح أن هذه الأموال تفيد في دعم اقتصاد الدولة.
وعن طريقة تحديد السعر المبدئي للمزادات يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكل لوحة نسبة تميّز تمنحها قيمتها، فمثلاً لوحة بعنوان (1 / أ) ثمنها ليس مثل (555 / ب ح ب) هذه النسبة يبدأ بها المزاد بين مَن يرغبون في الاستحواذ على اللوحة»، ولفت إلى أن «هذه الأرقام والحروف المميزة موجودة بالفعل، ويمكن أن تذهب عشوائياً لأشخاص لا تمثل شيئاً بالنسبة لهم، لكن الآن ستكون هذه اللوحات المميزة مع مَن يريدها وبمقابل مادي يحدده المزاد».
وأثار فنانون ومشاهير مصريون من بينهم محمد رمضان، وحمو بيكا، وحسن شاكوش الجدل خلال الآونة الأخيرة بعد نشرهم صوراً تكرّس تباهيهم بسياراتهم الفارهة.
ومن اللوحات التي نشرها الموقع الإلكتروني الخاص بخدمة «كوّن لوحتك» كانت «أ هـ م 1» التي تفضي إلى وصف «أهم واحد»، وقد بيعت هذه اللوحة بمبلغ يقترب من 2 مليون جنيه، فيما بيعت لوحة «س ي ف 1» بمبلغ 605 آلاف جنيه مصري، وبيعت لوحة «د د د 111» بمبلغ 210 آلاف جنيه.
وأوضح «البنك الدّولي» في أحدث تقرير له أن الفقر في مصر، الذي يعود إلى عام 2022، معدله ارتفع إلى 32.5%، وأشار إلى «ارتفاع التفاوتات المكانية بين المناطق الريفية والحضرية، حيث يعيش نحو 66% من الفقراء في مناطق ريفية».
وأضافت سامية خضر: «هذه المزادات المليونية تؤكد وجود فئة قادرة مادياً في مصر يمكن للحكومة الاستفادة منهم مقابل شراء خدمة تمنحهم الوجاهة الاجتماعية»، وشددت على «أن هذا النهج الذي تتبعه الحكومة المصرية أخيراً لا يضر أحداً بل يفيد الدولة».
وروّج الموقع الإلكتروني لـ«بوابة مرور مصر» لقصص أشخاص فازوا بمزادات الأرقام المميزة، على غرار تاجر الفاكهة الذي يُدعى علي، والذي امتلك لوحة عنوانها «ع ل ي 3» ويشير الرقم (3) إلى رقم وكالته في سوق العبور (شرق القاهرة).
وهو ما تكرّر كذلك مع قصة رجل الأعمال الشاب سيف الذي اختار دمج تاريخ ميلاده مع اسمه في لوحة واحدة حملت عنوان «س ي ف 88».
«ملايين الجنيهات التي يدفعها بعض المزايدين نظير شراء لوحات مميزة قد لا تمثل لهم عبئاً مادياً على الإطلاق»، وفق عبد الوهاب الذي يوضح قائلاً: «إذا دفع بعض هؤلاء المزايدين مليوني جنيه على سبيل المثال في رقم لوحة مميّز فإن هذا المبلغ يكون بالنسبة له 20 جنيهاً، وهذا يواكب صيحة تباهي الأثرياء في الساحل الشمالي وبعض المنتجعات السكنية في شرق القاهرة التي أصادف فيها سيارات فارهة تحمل أرقاماً مميزة للغاية».
وعبّر متابعون عن اندهاشهم من ثمن اللوحات المميزة التي تفوق أسعارها ثمن السيارات.
ويعد الساحل الشمالي الغربي لمصر أحد أبرز الأماكن التي يستعرض فيها الأثرياء والمشاهير سياراتهم الفارهة، وأرقامها المميزة خلال شهور الصيف. وقد أثار الممثل ورجل الأعمال المصري عماد زيادة الجدل بشأن أسطول سياراته الفارهة بأحد منتجعات الساحل.
بعض اللوحات المميزة تجذب الأنظار بسهولة لا سيما من المراهقين والشباب، وفق ما تؤكده سميرة خضر التي تقول: «ينبهني أحفادي أحياناً إليها ويزعمون أن ملّاكها من الشخصيات المهمة، وهو ما لا أراه عيباً، إذ تذهب حصيلة المزادات إلى صندوق (تحيا مصر)».
لكن عبد الهادي السويفي، الخبير الاقتصادي، وعضو مجلس الوحدة الاقتصادية العربية السابق، يحذر من «حدوث حساسيات بين الطبقات بسبب هذه المزادات»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت الدولة تريد إيرادات من الأثرياء فيجب أن تبحث عن طرق أخرى بعيداً عن إثارة الأحقاد الطبقية بهذه الأرقام المميزة للسيارات التي يمكن أن تستفز البسطاء في الشارع».
ويرى أن «ضرر هذه الأموال أكثر من فائدتها وإذا كان هناك توجه للاستفادة من الأثرياء فيمكن أن يكون ذلك بفرض ضرائب إضافية على السيارات الفارهة، بدلاً من إذكاء الحقد الاجتماعي». وفق تعبيره.
وصندوق «تحيا مصر» هو صندوق تابع لرئاسة الوزراء، أنشئ بقرار جمهوري لدعم الاقتصاد المصري، بمبادرات مثل «أطفال بلا مأوى» و«بالهنا والشفا» و«كلنا جنبك» و«بر أمان» و«إغاثة أهل غزة».