هناك خيارات يمكن أن تستخدمها الدول لخفض الانبعاثات، وتشمل خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 أو قبله، وزيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، والتخلص التدريجي السريع من الفحم الذي يُنتَج ويُستخدَم دون الاستعانة بتقنيات تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتوسيع التقنيات بما يشمل تلك الخاصة بالتقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. إذ دعا الاتفاق الأطراف إلى تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من كل مصادر الوقود الأحفوري، الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي، والتشجيع على تقديم مساهمات محددة وطنياً، تشمل القطاعات الاقتصادية كافة، ويستهدف زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة سنوياً بحلول عام 2030.
وتقود السعودية تحولاً في قطاع النقل استجابةً لتحديات تغير المناخ المتصاعدة، بحيث تعد خططها في هذا القطاع بمثابة جزء حيوي من حملة المعركة لخفض انبعاثات الكربون العالمية بنسبة 4 في المائة من خلال البحث عن بدائل النقل الحديثة. ويصف الخبراء في قطاعي الطاقة والخدمات اللوجيستية، الجهود السعودية في مواكبة التوجهات العالمية لتغير المناخ، عبر خفض تأثير وسائل النقل التقليدية التي تعمل بالوقود، بأنها رائدة، وأسهمت على مدى عقود في قيادة الجهود الدولية نحو تطوير صناعة الهيدروجين وإطلاق مشاريع بيئية كبيرة، وعلى رأسها مبادرتا الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء. إذ إن تحديات خفض استهلاك الوقود في النقل، كبيرة جداً، وتحتاج إلى حلول متنوعة وبدائل تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي ولا تضر باقتصادات الدول المنتجة والمصدرة للوقود الأحفوري.
إن قطاع النقل يمثل نسبة كبيرة من استهلاك النفط، كما أن النفط وبقية المصادر التقليدية تمثل نحو 80 في المائة من مجمل مزيج الطاقة العالمي، وبالتالي فإن التحديات كبيرة عالمياً في محاولة التحول عن مصادر الطاقة التقليدية، إذ إن التحول في النقل نحو البدائل مثل السيارات الكهربائية مقبول، إلا أنه لا يمكن تعميم هذا البديل بشكل يؤثر أو يقضي على استخدام الوقود التقليدي أو النفط في قطاع النقل وبالذات في قطاعات النقل الجوي والبحري، كما أن الجهود لا بد أن تكون متنوعة، وأن تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي، ولا تقتصر على مواجهة تغير المناخ والإضرار باقتصادات الدول المنتجة والمصدرة للوقود الأحفوري.
وأثناء مفاوضات تأثير استهلاك النفط على تغير المناخ، كانت السعودية رائدة في مواجهة تغير المناخ، وقادت جهوداً جماعية ومتكاملة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة وإزالة الكربون من النفط، وهي تعمل على خفض الانبعاثات عن طريق سحب الكربون من النفط والغاز، والجهود مستمرة في قيادة الجهود الدولية نحو تطوير صناعة الهيدروجين وإطلاق مشاريع بيئية كبيرة وعلى رأسها مشروع الشرق الأوسط الأخضر والرياض الخضراء، وكل هذه الجهود تصب في إطار حلول مواجهة التغيرات المناخية، إلا أن بعض رغبات الدول المتقدمة مثل أميركا والصين وبقية الدول، حول تغير المناخ، مبالغ فيها، وتسعى إلى الحد من استهلاك العالم للنفط، لكن ذلك لن يحدث قريباً، حيث سيستمر استهلاك النفط عالمياً لعقود طويلة مقبلة.
إن التحول في قطاع النقل نحو السيارات الكهربائية يساهم في تحسين الهواء والصحة العامة، إذ تنتج السيارات الكهربائية كمية أقل من الملوثات، نظراً لارتباط الهواء بمجموعة من المشاكل الصحية المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى مساهمة التحول في تحسين الاقتصاد المحلي، ويقوده إلى خلق فرص اقتصادية كبيرة ومميزة في قطاعات جديدة، ومنها على سبيل المثال استثمار صندوق الاستثمارات العامة في شركة «لوسيد» للسيارات الكهربائية بنسبة 60 في المائة.
إن قمة «كوب 28» شخّصت أساليب واقعية لخفض الانبعاثات التي تحتاج إلى إشراك جميع الطاقات والتقنيات، ويجب أن يكون هذا النهج الذي يشمل جميع أنواع الطاقة وجميع الأشخاص وجميع التقنيات ملتزماً بمبادئ العدالة والمسؤوليات المتباينة، كما أن هناك حاجة إلى أساليب واقعية لمعالجة الانبعاثات، ونهج يمكن به تحقيق النمو الاقتصادي ويساعد في القضاء على الفقر، ويزيد القدرة على الصمود في الوقت نفسه، إذ لا يوجد حل أو مسار وحيد لتحقيق مستقبل الطاقة المستدامة، بل هناك مسارات مختلفة.
ومن جانب آخر، يجب الانتقال إلى منظومة طاقة خالية من مصادر الوقود الأحفوري الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، لتمكين العالم من تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، ورفع سقف التوقّعات بشأن الجولة التالية من المساهمات المحدّدة وطنياً على مستوى العالم، من خلال تشجيع الأطراف على تقديم مساهمات محددة وطنياً تشمل القطاعات الاقتصادية كافة، بالإضافة إلى مواصلة بناء الزخم لإصلاح هيكل التمويل المناخي، إذ إن معالجة التحديات تتم بالتوافق مع المصالح الوطنية، والاتفاق الحالي أعاد اتفاق باريس للواجهة مجدداً، حيث إن المستهدف هو خفض الانبعاثات، وللدول حق اختيار المنهجية المناسبة، وإعطاء كل دولة الحق في اختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها، حيث إن تحول الطاقة يمكّن من الموازنة بين خفض الانبعاثات والنشاط النفطي، والبرامج يجب أن تعمل على خفض البصمة الكربونية لمنتجات كل دولة، إذ إن بيان «كوب 28» لم ينص على التخلص الفوري أو المتدرج من الوقود الأحفوري، بل على عملية التحوّل.
في الختام، إن الفرص المتاحة والمستقبلية في تحول قطاع النقل بالسعودية بما يتوافق مع مشاريع التغير المناخي، كثيرة وكبيرة ومتنوعة ويمكن أن تشتمل على مشاريع واستثمارات ضخمة في تطوير وتحسين البنية التحتية، وتعزيز وسائل النقل العام بما يخلق فرصاً جديدة لتحسين خدمات النقل وزيادة الكفاءة البيئية والتحول نحو النقل الذكي عبر تشجيع تبني التكنولوجيا والابتكار في مجال النقل باستخدام البيانات لتحسين الكفاءة والتخطيط، وكذلك الاهتمام بتطبيق مبادئ الاستدامة في قطاع النقل، وفتح الأبواب للابتكارات البيئية والحلول التي تعزز التنمية المستدامة، إذ تقوم الهيئة العامة للنقل بجهود لرفع الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة لقطاعات النقل المتعددة، وتشجيع مشاريع النقل الذكي القائمة على السيارات ذاتية القيادة والكهربائية.