سعاد العشي: أخشى امّحاء الروح في عصر الذكاء الاصطناعي

ترى الجمهور متلقّياً يعتاد ما يُقدَّم له

سعاد العشي ترفض الخواء الإعلامي بذريعة الانهيار المالي (حسابها الشخصي)
سعاد العشي ترفض الخواء الإعلامي بذريعة الانهيار المالي (حسابها الشخصي)
TT

سعاد العشي: أخشى امّحاء الروح في عصر الذكاء الاصطناعي

سعاد العشي ترفض الخواء الإعلامي بذريعة الانهيار المالي (حسابها الشخصي)
سعاد العشي ترفض الخواء الإعلامي بذريعة الانهيار المالي (حسابها الشخصي)

تُسجّل الإعلامية اللبنانية سعاد قاروط العشي موقفاً مما تُسمّيه «مصادرة الروح الإنسانية»، وهي تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن زحف الذكاء الاصطناعي باتجاه العقل وتسبّبه بقلق حيال مستقبل بعض الوظائف. تدرك أنّ «الزمن تغيّر والتكنولوجيا سهّلت مَهمّات»، لكنّ أرق حلول الآلة مكان الروح يصيبها. تصف الزمن المُتغيِّر هذا بـ«الخطير»، من دون إعلان البقاء رهينة الماضي.

حين انطلقت في السبعينات، لم يحمل خبرٌ يحدث في الصين مثلاً هَمّ المزاحمة مع الوقت للوصول السريع إلى صحافي لبناني يترقب أحداث العالم من وراء مكتبه. تذكُر: «كان ذلك عصر ما قبل الإنترنت والوصول إلى الخبر لم يتحقّق من دون جهد. التطوّر التكنولوجي، اليوم، هوَّن العملية. إنه سريع جداً حدّ الشعور بأننا نخوض سباقاً. الزمن الحالي يعدنا بإنجازات أخشى أن تفوق العقل البشري».

لا تعلن صاحبة المسار الإعلامي الطويل في الإذاعة والتلفزيون، العداء للتكنولوجيا، بل تعترف لها بالفضل. تخشى امّحاء الروح حين يجتاح الروبوت الوظائف ويقضي الذكاء الاصطناعي على الوَقْع البشري: «أحمل توقّعات مستقبلية مخيفة وتؤرقني استفهامات متعلّقة بمصير الوظيفة وقيمة الإنسان. يخترع العقل كل هذا، ليسمح له بالانقضاض عليه! المسألة خطيرة».

بينما كثّفت صحافة الأمس الجهد؛ يأتي الخبر جاهزاً إلى صحافة اليوم ويبلغ بومضة سكان الكوكب. تتساءل: «أي دور سيبقى للصحافي إنْ كفَّ يده عن صناعة الخبر وبناء التحليلات؟»، لتقيس على ذلك مكانة البشر في جميع مجالاتهم: «يخيفني أن يحتلّ الذكاء الاصطناعي مكان الإنسان. أُبقي السؤال مفتوحاً: إلى أين نحن ذاهبون؟ وما مصيرنا؟ صناعة (إنسان) من دون روح، معضلة تثير القلق».

الإعلامية اللبنانية سعاد قاروط العشي تُحمّل المحطات مسؤولية الذوق العام (حسابها الشخصي)

رغم موقفها من فوارق تبدو جوهراً بين جيلها المثقل بالتحدّيات وجيل التلفزيون اليوم، الميّال إلى السهولة، تتفادى الحدّة: «التعميم يفسد كل شيء، وثمة مَن يحاول. أريد التوقف عند الأصول. هذه لا علاقة لها بالتطوّر والتكنولوجيا. إنها ثوابت. برأيي، اللمعان يحدث حين تُمنَح الأصول أولوية. تخطّيها، في اللغة والنطق والثقافة والفهم، مؤشّر لإلغاء التاريخ. الإبداع موجود، لكن السخافة قائمة. لستُ ضدّ اللهو؛ فالمرء يحتاج إلى استراحة. أتحفّظ على البهرجة الخاوية».

تستعيد تشبيه «دسّ السمّ في العسل»، مقلوباً: «هنا محاولات دسّ العسل في السمّ!». تُكمل: «التطوّر قدر المسار البشري؛ رفضُه يعني أننا عالقون في الماضي. التلفزيون للتسالي، والجمهور يبحث عن فسحة. حقه الانسحاب مما يُراكم أحماله. لستُ أعترض على صناعة المادة الترفيهية، بل على خلوّها من المعنى. يمكن للترفيه أن يكون مفيداً. لا تتعارض الإفادة مع المتعة».

«أريد التوقف عند الأصول. هذه لا علاقة لها بالتطوّر والتكنولوجيا. إنها ثوابت. برأيي، اللمعان يحدث حين تُمنَح الأصول أولوية. تخطّيها، في اللغة والنطق والثقافة والفهم، مؤشّر لإلغاء التاريخ».

الإعلامية اللبنانية سعاد قاروط العشي

برأي سعاد العشي، الإعلامي مسؤول حيال الذوق: «علينا إدراك أننا مؤثّرون وأمامنا دور نؤدّيه». تضع الدولة اللبنانية أمام مسؤوليتها: «يقع التقصير حين تتغاضى عن القيام بواجبها حيال إلزام الإعلام بالإبقاء على المحتوى التثقيفي. تُفلت الأمور بعدم التدخّل. محزن التفريط برسائل الفكر والإبداع، مقابل تكريس الهرج والمرج».

لطالما ولَّد الانهيار ضحالة، مع ذلك تنبثق محاولات مثل براعم أمل. بالنسبة إليها: «لا أفقد رجائي بلبنان، وثمة مَن يكافح لصون هويته والنجاة بسمعته. أخشى تسيُّد الخواء، فهذا لا يليق».

تعتذر من أهل مصر على عدم تبنّي مقولة «الجمهور عايز كدة»، وبرأيها: «الجمهور متلقٍّ، يعتاد على ما نعطيه». أنْ تُزجّ الثقافة في كباش مع الفساد، ذلك «مؤسف». تشير إلى «الغذاءين» المعنيَّين بتوازن الإنسان: «المعرفة واللهو»، لتقول: «جميعنا نحتاج إلى هذا وذاك. وهما يكتملان ولا يتعارضان، لكن السذاجة هي الاتجاه الغالب».

تُحمّل إدارات المحطات مسؤولية تبنّي المحتوى الهشّ والترويج له بذريعة الاختناق الإنتاجي: «تراجُع الإنتاجات ليس عذراً. إننا نتحدّث عن صناعة ثقافة البشر، وهي مسؤولية جماعية تتحمّلها الحكومة والقطاع الخاص؛ عليهما العمل على إيجاد حلول. فلا يمكن التذرّع بالانهيار لتمرير أي برامج. صنّاع الذوق العام أمام مسؤولية كبيرة، عليهم وعي حجمها».

سعاد العشي ترفض تعميم السذاجة بذريعة الشحّ الإنتاجي (حسابها الشخصي)

خلاصة المشهد كالآتي، وفق سعاد العشي: «ثمة منَ يرفع وثمة مَن يشدّ باتجاه القعر». تُكرر: «الجمهور متلقٍّ، سرعان ما يعتاد على الوجبات المُختارَة له». تُبقي على الضوء في حين تتحامل علينا الظلمات: «لا يجدر التغاضي عن مبادرات تخترع الأمل وتتمسّك بلبنان المنارة. هذه هي الرجاء، ولا ينبغي إلحاقها بالعتب حيال الفراغ المسيطر».

من ثقوب الأمل هذا، ينبثق شعاع اسمه الإنتاج الدرامي: «في لبنان، ثمة مَن يقدّم نتائج جيدة. إنتاج المسلسلات يسلك طريقاً مشرقاً. لدينا مبادرات، ونشهد على سخاء إنتاجي. هذا مفيد لسمعة البلد. نوعية الأعمال تصبح أفضل، علماً أنّ مصر وسوريا تتفوّقان لناحية المساحة الجغرافية وعجلة الصناعة الفنية، على لبنان. يكفي أننا على الدرب المفضي إلى الوصول».

بهدوء رافق الحوار، تجيب عن سؤال حول علاقة المرأة المتقدّمة في السنّ مع الكاميرا. بعضٌ يستبعد مَن تتسلّل السنوات إلى ملامحهنّ، وينادي الوجه النضر: «العمر يُجوهِر، يؤكد الخبرة، يشدّد على القيمة، يرسّخ الحضور. تصلح المرأة للحب والزواج والبدايات الجديدة في أي سنّ، فكيف بالعمل الإعلامي؟! الروح هي الشباب الدائم».


مقالات ذات صلة

«الشرق رياضة»... منصة متكاملة تُقدّم تغطية شاملة للأحداث الرياضية

رياضة عالمية «الشرق رياضة» تقدم تقارير مفصلة ومُحدثة بشكل مستمر حول آخر تطورات الأحداث الرياضية (الشرق الأوسط)

«الشرق رياضة»... منصة متكاملة تُقدّم تغطية شاملة للأحداث الرياضية

أطلقت «الشرق للأخبار» في عام 2022، إحدى أبرز خدماتها المتخصصة في مجال الرياضة تحت اسم «الشرق رياضة»، وهي منصة متكاملة تُقدّم تغطية شاملة للأحداث الرياضية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

يودّع أحمد وحافظ وعمر وقيس عائلاتهم في مخيّم الزعتري ويطيرون على أجنحة الحلم إلى البرازيل، حيث يبدأون رحلة احتراف كرة القدم.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ماغي سميث في لقطة من عام 2016 (أ.ف.ب)

ماغي سميث سيدة الأداء الساخر

بأداء عملاق وخفة ظل وسخرية حادة تربعت الممثلة البريطانية ماغي سميث على قلوب معجبيها، كما جمعت بين الجوائز وبين حب الجمهور.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق فاخوري أول من كتب دراما الـ«سوب أوبرا» (فيسبوك)

شكري أنيس فاخوري لـ«الشرق الأوسط»: هم مترجمو قصص درامية وليسوا مؤلفين

في رأي شكري أنيس فاخوري أن التّكريم يبرهن على حب الناس للمكرَّم فيحفّزه ويعزّز ثقته بنفسه. وصار اسمه اليوم محفوراً في القلوب وفي التاريخ.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جذبت «الشرق الوثائقية» اهتمام مئات الملايينِ وحققت أرقاماً استثنائية من المشاهدات عبر الوسائط المختلفة (الشرق الأوسط)

«الشرق الوثائقية»… عام من الإنجازات والأرقام الاستثنائية

 تحتفل «الشرق الوثائقية» بمرور عام على انطلاقها قدمت خلاله لمتابعيها عالماً شيّقاً من الوثائقياتِ التي أثارت الاهتمام والتقدير والمتعة معاً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

سائح بريطاني يحاول دفن رفات والدته بمعبد أبو سمبل

معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل (تصوير: عبد الفتاح فرج)
معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

سائح بريطاني يحاول دفن رفات والدته بمعبد أبو سمبل

معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل (تصوير: عبد الفتاح فرج)
معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أحبطت السلطات المصرية، الأحد، محاولة سائح بريطاني الجنسية دفن رفات والدته في معبد أبو سمبل الأثري بأسوان (جنوب مصر).

وقال رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور أيمن عشماوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أفراد الأمن بمعبد أبو سمبل تمكنوا من ضبط سائح بريطاني حاول دخول المعبد ومعه صندوق صغير، اشتبهوا في محتواه»، مشيراً إلى أنه «بعد تفتيش السائح تبين أن الصندوق يحتوي على رفات آدمية».

وأضاف عشماوي أن «السائح كان معه مرشد سياحي، أوضح عند سؤاله أن الرفات لوالدة السائح التي توفيت وأوصت بدفنها في مصر»، مشيراً إلى أن «السائح البريطاني جاء إلى مصر تنفيذا لوصية والدته». وفق تعبيره.

ووقّع السائح البريطاني على تعهد أكد فيه أنه «لن يحاول مجدداً دفن رفات والدته في أي مكان بمصر». بحسب عشماوي الذي أشار إلى أنه «تم السماح للسائح باستكمال زيارته للمعبد بعد منعه من دفن الرفات به».

معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل من الداخل (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ويقع معبد أبو سمبل في النوبة بالقرب من الحدود الجنوبية لمصر. وقد بناه الملك رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة، في الجبل، نحو عام 1264 قبل الميلاد. ويشتهر المعبد بـ4 تماثيل ضخمة جالسة تزين واجهته، انهار أحدها بسبب زلزال قديم، ولا تزال بقاياه على الأرض، وفق موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.

وتقف تماثيل الملك الضخمة على جانبي الصالة الرئيسية المؤدية إلى قدس الأقداس، حيث تجلس 4 معبودات من مصر القديمة؛ هي آمون رع، رع حورآختي، بتاح، رمسيس الثاني. ويشهد المعبد ظاهرة تتكرر مرتين في العام، حيث تتعامد الشمس على واجهته في 22 فبراير (شباط) و22 أكتوبر (تشرين الأول).

والحضارة المصرية محاطة بكثير من الغموض، ما يدفع لانتشار خرافات بشأن «لعنة الفراعنة» أو «الزئبق الأحمر»، مثيرة حالة من الهوس العالمي بشأن «أسرار الدفن في مصر القديمة».