بول فيني... عشق أبدي للعلم... والشعر

رحيل آخر المفكرين الكبار في فرنسا

بول فيني
بول فيني
TT

بول فيني... عشق أبدي للعلم... والشعر

بول فيني
بول فيني

أخيراً رحل المؤرخ الفرنسي الشهير بول فيني عن هذا العالم. لقد رحل صديق ميشيل فوكو ورينيه شار وبقية المشاهير عن عمر مديد يناهز الـ92 عاماً. كلهم رحلوا وسبقوه إلى دار الخلود بزمن طويل. فوكو مات منذ عقود عام 1984 رغم أنه من جيله أو مجايله، وكذلك بيير بورديو عام 2002، ورولان بارت عام 1980، وجاك دريدا عام 2004... إلخ. كل الكبار ذهبوا ما عداه. كلهم رحلوا وبقي هو يتحدى الأيام والسنوات. إنه صديق الشاعر الكبير رينيه شار. ومعلوم أنه كان يمثل بين يديه بكل تواضع كتلميذ صغير وهو الأستاذ الكبير في «الكوليج دو فرانس»! ومعلوم أنها أعلى مؤسسة علمية في فرنسا: أعلى من السوربون. ولا يدخلها من الأساتذة إلا الكبار أو كبار الكبار. ولكن الجميع يتواضعون في حضرة الشعر والقصائد العبقرية. وفي حضرة رينيه شار شاعر فرنسا الأكبر في القرن العشرين لا يوجد كبار. من يستطيع أن يزاحم رينيه شار على الشهرة والمجد؟ إنه رامبو العصور الحديثة. وقد نتجت عن لقاءاته المتكررة مع شاعر فرنسا الأكبر مخطوطة كتاب مهم وممتع جداً: «رينيه شار في قصائده»... منشورات «غاليمار» 1995، وهذه أول مرة أجد فيها مؤرخاً أكاديمياً ضخماً مثل بول فيني مهتماً بالشعر إلى مثل هذا الحد. عادة الأكاديميون والأساتذة الجامعيون لا يهتمون بالشعر ولا بالأدب عموماً. هناك كثيرون ممن لم يقرأوا قصيدة واحدة في حياتهم. ولا يعرفون كيف يستمتعون بالشعر ولا يرون أي ضرورة لذلك. لماذا تضييع الوقت؟ وهؤلاء أساتذة جامعات واضرب واطرح!... ولكن بول فيني كان مهووساً بالعلم الرصين والشعر في آن معاً. وهنا تكمن مزيته الأساسية.
يقول متحدثاً عن رينيه شار في هذه المذكرات التي تروي قصة عمر طويل ومديد: قبل أن أغادر فرنسا إلى روما لمتابعة دراساتي الأكاديمية عن الحضارة الرومانية القديمة رغبت في رؤية الشاعر رينيه شار. أردت أن أقوم بزيارته كما يقوم الطالب الصغير بزيارة الكاتب الكبير. كنت أمجده، أعبد أشعاره وقصائده عبادة. لقد اكتشفت نصوصه لأول مرة في الثانوي. وقد أحسست بعبقريته الشعرية على الفور. كانت واضحة بالنسبة لي، كانت ساطعة سطوع الشمس. كنت قد قرأت ديوانه: «وحدهم يظلون»، مراراً وتكراراً. وحفظت الكثير من قصائده عن ظهر قلب. ولكن قبل زيارته في شقته الباريسية لم أكن أجهل أن رينيه شار لم يكن شاعراً فقط، وإنما كان أيضاً أحد أبطال المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية. وبالتالي فهو مناضل كبير من أجل الحرية. ولذلك لقبوه: ديغول الشعر!
ثم يضيف بول فيني قائلاً: لقد راسلته ورجوته أن يحدد لي موعداً، وما كنت أتوقع أن يقبل. فأنا كنت آنذاك مجرد نكرة أو شخص مبتدئ. ولكني فوجئت بأنه قبل أن يستقبلني، ولمدة ساعتين متواصلتين... وتحدث لي في ذلك اللقاء عن أشياء كثيرة أخرى ما عدا الشعر! ثم يضيف المؤرخ الأكاديمي الشهير قائلاً: أعترف بأن رينيه شار هو أعظم شخصية كارزمية أتيح لي أن أراها في حياتي. كانت تحيط به هالة من الهيبة والعظمة لا تكاد تصدق. إنه يفرض نفسه عليك بشكل عفوي طبيعي ويسحقك سحقاً بشخصيته الجبارة دون أن يقصد ذلك أو دون أن يدري... ولذا قررت عندئذ ألا أراه بعد اليوم خوفاً من هذه الهالة الإشعاعية التي تحيط به، وخوفاً من أن يحتقرني أو يزدريني عندما يرى مدى انسحاقي أمامه. ولكني حنثت بهذا الوعد الذي قطعته على نفسي. وحسناً فعلت. فقد التقيته لاحقاً مراراً وتكراراً، بل وأكثر من مائة مرة! ولكن ذلك حصل بعد ثلاثين عاماً من اللقاء الأول: أي بعد أن أصبحت أستاذاً شهيراً في الجامعات الفرنسية، ولم أعد ذلك التلميذ الصغير الذي ألتقاه في بداية شبابه. وعن هذه اللقاءات العديدة المكثفة نتج الكتاب المذكور: «رينيه شار في قصائده». ولكن للأسف لم أنشر الكتاب إلا بعد موته عام 1988، وبالتالي فلم يتح له الاطلاع عليه أو رؤيته في حياته. قال له رينيه شار مرة: لا ينبغي أن نبني أوهاماً كثيرة عن الشاعر. الشاعر إنسان كبقية البشر. ولا يصبح شاعراً إلا في لحظات معينة عندما يختلي بنفسه وتهيج هوائجه وتجيئ القصيدة... عندئذ يصبح شاعراً حقاً ولكن بقية اليوم فهو إنسان عادي وربما أقل من عادي. لا يمكن أن تكون شاعراً طيلة الوقت يا بول فيني. مستحيل. هذه صورة خاطئة عن الشعر والشعراء.
ثم يصفه بول فيني على النحو التالي: كان رينيه شار كريماً إلى أقصى الحدود، وكان جذاباً إلى أقصى الحدود. ولكن العيش معه كان شيئاً مستحيلاً لا يطاق تقريباً. لماذا؟ لأن انفجارات غضبه كانت مشهورة كالرعد القاصف وتتطلب ساعات لكي تهدأ. ولكنه بعدئذ كان يعود إلى طبيعته الجميلة إنساناً سمحاً طيباً. لم يكن رينيه شار إنساناً شريراً ولا خبيثاً أبداً رغم عواصف الغضب التي قد تعتريه. وإنما كان العكس تماماً. وأما على المستوى الشكلي فقد كان ضخماً عملاقاً مثل ديغول. ولذلك أيضاً لقبوه بـ«ديغول الشعر» كما ذكرنا آنفاً.
أما عن ميشيل فوكو، الذي كان من جيله (1926 - 1984) وصديقه الحميم حتى نهاية حياته، فيقول عنه بول فيني ما معناه: كنت الشخص الوحيد «غير الشاذ جنسياً» من بين أصدقائه الخلص. ما عدا ذلك كلهم كانوا مثليين مثله. وكان يستقبلني في شقته الباريسية الفخمة عندما أجيء إلى العاصمة قادماً من الجنوب الفرنسي. وذلك لأني ظللت أسكن في منطقتي الأصلية وأعيش في قرية صغيرة بعيداً عن ضجيج العواصم. ولم أسكن باريس ولم أستقر فيها أبداً. ولكني كنت مضطراً للمجيء إليها لإلقاء دروسي في «الكوليج دو فرانس». وعندئذ كنت أنزل عنده ويقدم لي الطعام والشراب مجاناً. كنت ضيفاً معززاً مكرماً في شقته الرائعة الواقعة في وسط باريس. والواقع أنه كان شهماً وكريماً جداً أيضاً مثل رينيه شار. ولكن مشكلته أنه كان ينتمي إلى التيار الشكوكي الارتيابي في الفلسفة. كان يقول لي مثلاً ما يلي: انظر إلى الوراء يا بول فيني، انظر إلى التاريخ، إلى الماضي. ماذا تلاحظ؟ تلاحظ أن ماضي البشرية كله ليس إلا «مقبرة ضخمة من الحقائق الميتة». بمعنى أن ماضي البشرية ما هو إلا سلسلة متلاحقة من المعايير المختلفة واليقينيات المتغيرة من عصر إلى عصر. فما كان سائداً في العصور الوسطى من حقائق ويقينيات أصبح باطلاً ولاغياً في العصور الحديثة. بمعنى أن ما هو حقيقة اليوم قد يصبح خطأ غداً ويتم تجاوزه. وهكذا دواليك... لقد وصلت الحياة مع الكائن البشري إلى مخلوق مقدر له أن يتيه ويخطئ إلى ما لا نهاية، دون أن يتوصل إلى حقيقة يقينية راسخة وثابتة.
ثم يعلق بول فيني على كلام فوكو قائلاً: إن فكر فوكو ليس إلا وصفاً لما اعتقده البشر ومارسوه كحقائق مطلقة في كل فترة من فترات تاريخهم. نقصد ما اعتقدوا أنه حقيقة عن الجنس مثلاً، أو الجنون، أو المراقبة والعقاب، أو أنظمة الحكم، إلخ... إنه وصف حيادي، موضوعي، بارد. وهذا يعني أن فوكو لم يكن يعتقد بإمكانية وجود ثوابت تاريخية. لا توجد حقائق ثابتة في نظره. وإنما فقط حقائق نسبية متغيرة من عصر إلى عصر. وهذا يعني أنه كان نسبوياً أو حتى عدمياً بمعنى من المعاني. ولكن هذا لا يعني أنه كان على صواب. قد يكون صحيحاً القول بأن تاريخ البشرية كلها ما هو إلا «مقبرة هائلة من الحقائق الميتة» ولكن ليس في كل المجالات. صحيح أن البشرية اعتقدت طيلة آلاف السنين أن الشمس هي التي تدور حول الأرض، وليس العكس، كما اكتشف كوبرنيكوس. وهذه حقيقة ضخمة هائلة أصبحت ميتة بعد أن كشف العلم الحديث عن أنها خاطئة تماماً. ولكنها طيلة العصور الوسطى كانت تفرض نفسها كحقيقة مطلقة لا يرقى إليها الشك. وصحيح أن العلم الحالي تجاوز أخطاء العلم السابق التي كانت بمثابة حقائق راسخة. كل هذا صحيح. ولكن في مجال القيم والأخلاق توجد ثوابت يقينية لا حقائق ميتة. ويوجد صح/ وخطأ، وحق/ وباطل، وحقيقة/ وأكذوبة، إلخ. ولا يمكن الشك مثلاً في أن الجنس الطبيعي بين الرجل والمرأة أفضل من الجنس المثلي الشذوذي. هذه حقيقة أنتربولوجية، أي إنسانية كونية، منذ بدء الخليقة وحتى اليوم. هذه حقيقة لا تتغير ولا تتبدل بتغير العصور والأزمان يا سيد ميشيل فوكو.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».