بحيرة لونار... تنوع بيولوجي وغموض طبيعي

تكونت بفعل نيزك وأصبحت وجهة المهتمين بالفلك والنجوم

تحيط بالبحيرة  عدة مبانٍ  قديمة ومعابد
تحيط بالبحيرة عدة مبانٍ قديمة ومعابد
TT

بحيرة لونار... تنوع بيولوجي وغموض طبيعي

تحيط بالبحيرة  عدة مبانٍ  قديمة ومعابد
تحيط بالبحيرة عدة مبانٍ قديمة ومعابد

إذا كنت من عشاق استكشاف الفضاء والفلك، فإن بحيرة لونار الهندية، ستروي هذا العشق وتغذيه إلى أقصى حد. وثمة بشرى سارة أخرى لكل من يداعب خيالهم حلم السفر إلى الكوكب الأحمر أو المريخ، تتلخص في السفر إلى هذه البحيرة التي خلصت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «آي آي تي بومباي» إلى أن المعادن الموجودة في تربتها شبيهة بتلك التي تم إحضارها من الفضاء أثناء تنفيذ برنامج «أبولو». الآن، وبفضل سطحها البازلتي، يستغلها علماء في دراسة الحُفر الناتجة عن ارتطامات عنيفة على أسطح كواكب أخرى من الصعب الوصول إليها، مثل القمر والمريخ.
يعود أصل تكوين البحيرة إلى 550 ألف عام عندما اخترق نيزك ضخم الغلاف الجوي للأرض في شكل كرة لهب هائلة، تقدر زنتها بـ2 مليون طن، وتتحرك بسرعة 90 ألف كيلومتر في الساعة. ارتطمت بسطح الأرض، لتخلق تجويفاً هائلاً حوى بداخله بمرور الوقت مستوى غير مسبوق من التنوع البيولوجي.
بيد أنه مهما قيل عن المكان، فإن تفرده لا يوصف، ويُفضل مشاهدته عن قرب، وهو ما لا يصعب تحقيقه بحكم أن البحيرة تقع على بعد نحو 500 كيلومتر من مومباي.
عند الوصول إليها، فإن أول ما سيشد الانتباه شكلها البيضاوي ومحتوياتها وطريقة تكونها. عناصر لا تزال تثير اهتمام علماء وكالة «ناسا» الأميركية للفضاء وعلماء جيولوجيا وبيئة وآثار وطبيعة وفلك من مختلف أرجاء العالم. لكن بعيداً عن عشاق الفلك ومتابعي النجوم، فإن البحيرة مزار سياحي يغذي كل الأذواق لما تُوفره على صعيد المغامرة والمتعة والثقافة. فالمنطقة تضم الكثير من الأبنية التاريخية القديمة، معظمها على شكل معابد تم تشييدها دون استخدام عوامل تثبيت مثل الإسمنت. كما أن كل قطاع من البحيرة يقدم للمرء تجربة مميزة عن غيره. بالإمكان مثلاً التجول عبر القرى القديمة، المطلة على البحيرة والاستمتاع بركوب العربة التي يجرها ثور، على شرط ارتداء حذاء مناسب لضمان السلامة والراحة، واستعمال كريم واق من أشعة الشمس الضارة وآخر طارد للحشرات وغطاء للشعر ونظارات شمسية وملابس من نسيج يجف سريعاً.
تاريخ مثير:
ورغم أن ذكر البحيرة ورد في نصوص هندوسية ووثائق «آئين أكبري» المنتمية إلى فترة متأخرة من الحقبة المغولية، فإن القصص تشير إلى أن اكتشاف هذه الحفرة للمرة الأولى في العصر الحديث على يد ضابط بريطاني كان يعيش في القرن التاسع عشر اسمه جيه. إي. ألكسندر.
ومن الحقائق التي تزيد من أهميتها، أن من بين كل النيازك التي تصطدم بالأرض، وتتراوح بين 30 ألف و150 ألف سنوياً، نجح ذلك النيزك تحديداً في خلق الحفرة الأضخم على سطح الأرض بسبب ارتطامه بالغ السرعة. الآن تعتبر البحيرة أفضل حفرة ناجمة عن انفجار من حيث حفظها، نظراً لتكونها في صخور البازلت. ويشعر العلماء بحيرة بالغة تجاهها، لأن ماءها ملحي وقلوي في الوقت ذاته، رغم استحالة امتزاج الاثنين معاً.
حياة طبيعية غنية:
تحيط بالبحيرة الغامضة معابد قديمة وجمال طبيعي ثري من حيث التنوع البيئي. فهي تعج بشتى أنواع الطيور، مما يجعلها واحدة من أفضل الوجهات لعشاق متابعة الطيور ومشاهدتها في بيئاتها الأصلية، سواء المحلية أو المهاجرة، مثل الشهرمان وكرسوع أبو المغازل والقطقاط أحمر اللغد والهدهد والبومة المصاصة والصفير الذهبي والقبرة والدراء والطاووس.
فمياهها غنية بالأملاح وكائنات دقيقة تسهم في عملية التثبيت النتروجيني. لهذا لا تستغرب في المساء، وعبر المتحدرات المؤدية لضفاف البحيرة والتي تشبه التلال، أن تنبعث رائحة المياه اللاذعة، ومن وقت لآخر، يقطع جو الهدوء والصمت أصوات الأعشاب المتمايلة وأسراب بط أبو فروة الذي يطير مجتازاً قارات ليقضي الصيف هنا.
إضافة لذلك، تحيط البحيرة، غابة تتميز بدوائر متحدة المركز تتكون من أنواع مختلفة من الأشجار. تتألف الدائرة الأولى من أشجار النخيل، تعقبها أشجار التمر الهندي، ثم يأتي حزام من أشجار صمغ السنط. هذه الحلقات من الأشجار تثير الكثير من الدهشة والتساؤل عمن زرعها بهذا الترتيب والتناسق منذ زمن سحيق.
أيضاً، تضم الغابة المحيطة بالبحيرة الغزلان واللناغير الرمادية والخفافيش، وحشرات مبهرة الألوان وبرمائيات.
ومن بين النشاطات المحببة لزائري البحيرة إحضار بوصلات معهم لمشاهدة السلوك المضطرب لمؤشرات الوجهة بها، إذ يقال إن الميل الشديد في حركة مؤشرات البوصلة يعود إلى كميات الحديد المفرطة في التربة.
أقرب مطار من البحيرة هو مطار تشاتراباتي شيفاجي الدولي، بينما أقرب مطار محلي فهو مطار أورانغاباد ويقع على بعد نحو 122 كيلومتراً منها. ويتصل هذا المطار على نحو جيد بجميع المدن الرئيسية بالبلاد.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».