لكل سوق قديمة في مدن العالم هويتها وخصوصيتها، وغالبية تلك الأماكن تعبق بتاريخ طويل وبالتراث والأصالة. بعض تلك الأسواق تم ترميمه ليبدو بحلّة جديدة مع الحفاظ على طابعه القديم.
ففي لبنان على سبيل المثال، تجد أشهر الأسواق القديمة في مدن صيدا وطرابلس ودوما وحصرون وراشيا وبعلبك وجبيل والبترون. لنكتشف أقدمها وأجملها...
سوق صيدا القديمة مشوار ذكريات
تعدّ أحد أقدم الأسواق في لبنان مبنيةً بأسلوب العمارة التراثية، حيث تجذب السياح والمقيمين. تتألف من عدة أزقة، فيشعر زائرها بأنه في قلب صفحات تاريخية، تبرز فيها القناطر الحجرية وتلتصق الحوانيت والدكاكين والمحال التجارية على أنواعها. كل ما يخطر على بالك من حلويات وأدوات منزلية وعطور وبخور وأزياء شعبية وغيرها تجده فيها. الواجهة الساحلية لهذه الأسواق تحتلها مقاهي رصيف شعبية. يتجمع حول طاولاتها الكبار والصغار للتسلية والاسترخاء، مع كوب شاي ونارجيلة أو بعض المرطبات والحلويات والمثلجات، ومع ساندوتش فلافل وطبق كنافة تحلو تلك الجلسات. شوارع ضيقة تضم أسواق الذهب والثياب والنجارين، الذين يشتهرون بصناعة العلب الخشبية. يحفر الاسم عليها حسب الطلب، ويحملها الزوار ذكرى من مدينة تراثية. تشتهر هذه الأسواق بالحفاظ على مهن في طريقها للاندثار، من بينها صناعة الكراسي وتقشيشها والقباقيب والطاولات المستديرة الصغيرة، وكذلك الأواني النحاسية ومناخل العجن، بأسعار منخفضة، حيث يتسوق منها زوارها العباءات والقبعات والملابس المطرزة. وينتهي المشوار بتناول حلو الملبن أو «الحلاوة» المصنوعة يدوياً كموروث ينتقل من جيل إلى آخر.
سوق جبيل القديمة محطات تاريخية
كانت تعبر فيه عربات الخيل التركية التجارية بين متاجر الحرفيين والنجارين والإسكافيين التي اشتهرت بها السوق آنذاك. خلال العامين 1975 و2013، شهدت السوق حملة ترميم واسعة. شملت أبوابها الخشبية العريضة وأرضياتها المرصوصة بالبلاط، وأسقفها حيث استخدم فيها القرميد الأحمر والحجر الرملي. حالياً تمنع السيارات من دخولها، وهي مخصصة للمشاة الذين يتنزهون فيها ويشترون التذكارات من محلاتها. طرابيش لبنانية وعباءات ونحاسيات مزخرفة يدوياً تجدها في أسواق جبيل القديمة. وفي مقاهٍ ومطاعم تنتشر على جانبيها تحلو الجلسات الطويلة، بينها لبنانية بامتياز حيث الأطباق الأصيلة. وأخرى يرتشف الناس فيها فنجان القهوة إثر غداء عائلي من المطبخ الإيطالي. كل ما يباع في أسواق جبيل القديمة مصنوع في لبنان. قطع أثرية وزجاج ملوّن وحرف فينيقيّة أعيد تصنيعها من جديد تستقطب زوار هذه السوق، يشترونها ليعرضونها في بيوتهم كي يستعيدوا ذكرى لا تنسى من مدينة عريقة.
تجربة التسوّق المميزة تُوفّرها هذه السوق لزوارها حيث لا تشبه غيرها. فهي تُعد سوقاً تاريخية مشهورة ومتنوعة، تتميّز بمتاجرها المتنوّعة ومنتجاتها الفريدة.
الأسواق القديمة في البترون مزيج العراقة
السير في الأسواق القديمة يشكل متعة لضيوف البترون، فيطلعون على خصائص دكاكينها العتيقة والحديثة معاً. في هذه البقعة من البترون تتوزع محلات صغيرة تبيع الخضار والفواكه، وأخرى التذكارات والفولارات الحريرية وهدايا أخرى تعجب المارة، فتستوقفهم لساعات. وحديثاً صارت تضم مطاعم ومقاهي مشهورة، من بينها «قهوة زيتونة» و«كافيه مرشاق» و«ديفي». ويؤلف بعضها مع بعض مزيجاً من العراقة والحداثة، تجذب السائح وتعرفه على خصائص هذه المدينة التراثية.
تعود السوق بتاريخها إلى القرن التاسع عشر، التي تم رصفها بأحجار البازلت بين عامي 2003 و2004. وتتميز أبنية وبيوت السوق بقبابها المصنوعة من الحجر الرملي. وتم تشييدها على يد التجار والصناع البرجوازيين في ذاك الوقت. اليوم، تستضيف السوق عدداً كبيراً من المحلات التجارية ومخازن الكرفانات والفنادق والشركات، وتُعد وجهة للسياح ومحبي الآثار.
أسواق طرابلس بألف عنوان
لا بد لمن يزور منطقة الشمال أن يزور أسواق طرابلس القديمة، التي تحمل ألف عنوان بحوانيتها ومحالها التجارية ومخابزها وأفرانها. تنتشر في السوق العربات الخشبية التي تبيع الكعك الطرابلسي اللذيذ، محشوة بالجبن أو الزعتر ومتوجة بالسمسم المحمص. ومن يعطش يمكنه الارتواء بكوب عصير تمر هندي أو جلاب. أما أنواع المكسرات والقلوبات والبهارات على أنواعها فتجدها في حوانيتها الضيقة القديمة.
سوق العطّارين من أشهر وأقدم أسواق المدينة. اشتهرت في طرابلس منذ عقود طويلة ويعود تاريخها إلى نحو 700 سنة ماضية. وتزخر بالسلع والمنتجات المتنوّعة بأسعار تناسب الجميع. ومن يقصدها فلا بد أن يعرج على محلات التوابل والمخلّلات والمخابز القديمة، وعلى محلات الخضراوات والفواكه والعطور والبخور والأعشاب.
أسواق يتداخل بعضها ببعض، وتشكل عناوين لصناعات محلية تشتهر بها المدينة. والنزهة فيها تطول بين أسواق البازركان والصاغة والنحاسين. ومن أشهر معالمها سوق الصابون التي تكتظ بمعامل هذه الصناعة، فتنتج الصابون البلدي التقليدي وتبيع أجود أنواعه.
وداخل السوق نجد حمّام العبد، وهو الوحيد الذي لا يزال يعمل، ويقصده الزوار للاستحمام أو التمتع بهندسته الساحرة. وتتميز قاعته الخارجية بسقفها العالي المدوّر، وبزجاجياتها الملوّنة التي تعكس أشعة الشمس إلى الداخل.