روسيا تجهض بياناً أممياً ينتقد قصف مستشفيات إدلب

مطالب غربية بإجراء تحقيق مستقل وشفاف

TT

روسيا تجهض بياناً أممياً ينتقد قصف مستشفيات إدلب

أجهضت روسيا مجدداً، الخميس، محاولة من الكويت وألمانيا وبلجيكا للتنديد بالهجمات على المستشفيات والمنشآت الصحية في محافظة إدلب؛ حيث يوجد المعقل الرئيسي الأخير للمعارضة السورية بشمال غربي البلاد.
وبعيد تقديمه إحاطة إلى أعضاء مجلس الأمن في جلسة مغلقة عقدت على عجل بطلب من الكويت وألمانيا وبلجيكا، أفاد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك، في بيان نادر، بأنه «منذ تصاعد القتال في 29 أبريل (نيسان) الماضي، وعلى مدار 80 يوماً، راقب الناس في كل أنحاء العالم برعب كيف تقتل الطائرات الحربية والقصف المدفعي المدنيين، وتصيبهم بجروح، وتدمر البنية التحتية المدنية» وأكد أنه «منذ 1 يوليو (تموز) الجاري، تعرضت ستة مرافق صحية على الأقل، وخمس مدارس، وثلاث محطات مياه، ومخبزان، وسيارة إسعاف واحدة، للتلف أو التدمير». وقال: «يجب أن تتوقف المذبحة». وعبر عن «القلق بشكل خاص» من هجوم وقع في 10 يوليو على مستشفى المعرة الوطني، مضيفاً أنه «بحسب ما ورد كان هناك 250 شخصاً في المستشفى عندما وقع الهجوم، وبينهم كثيرون ممن يحتاجون إلى رعاية طارئة». وإذ طالب مجدداً بحماية المنشآت الصحية، ذكَّر بأن «المنشآت الطبية والعاملين الطبيين يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي». وندد بـ«الوحشية غير المبررة التي يضطر المدنيون إلى تحملها في إدلب». ودعا أطراف النزاع إلى إنهاء قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية، واحترام القانون الدولي الإنساني، والتحقيق في انتهاكاته، وضمان الوصول إلى المناطق التي يتعذر الوصول إليها حالياً للمساعدة الإنسانية.
ودفع التصعيد أيضاً أكثر من 330 ألف شخص إلى النزوح من مناطقهم، وفق الأمم المتحدة التي أحصت تعرّض أكثر من 25 مرفقاً طبياً لقصف جوي منذ نهاية أبريل.
وجاء هذا البيان رداً - على ما يبدو - على التصريحات التي أدلى بها المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، الذي نفى مجدداً قصف منشآت مدنية. وقال: «قدّمتُ معلومات من وزارة الدّفاع» الروسيّة، مضيفاً أن هناك «تحقيقاً أظهر أنه لم يحصل أي هجوم على تسعة من المباني الـ11 التي يُزعم أنها تعرّضت للقصف» في مايو (أيار) الماضي. وأضاف: «المبنيان الآخران لحقت بهما أضرار جزئية، ولكن ليس (بسبب) القوات الجوية الروسية».
غير أن نظيرته البريطانية كارين بيرس لم تكن مقتنعة بهذا الكلام. وقالت إنه «يجب أن نركّز» على التحقيق في مسألة قصف مستشفى معرة النعمان. وأضافت: «لدينا شكوكنا؛ لكن دعونا ننظر في الأمر بالشكل المناسب، ولنحصل على الردّ المناسب».
وفي بيان سعوا إلى إصداره من مجلس الأمن، أفاد المندوبون الدائمون لكل من ألمانيا وبلجيكا والكويت، بأنهم يدينون بشدة الغارات الجوية المستمرة التي تؤثر على المدنيين في شمال غربي سوريا، بما في ذلك الهجمات على المرافق الطبية والعاملين الطبيين. وأعربوا عن «قلقهم البالغ من الهجمات الأخيرة على المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى، بما في ذلك مستشفى المعرة الوطني، وهو واحد من أكبر المستشفيات في المنطقة؛ حيث يعمل كمستشفى إحالة، وتم تبادل إحداثياته من خلال آلية الأمم المتحدة لإزالة النزاعات». وأكدوا «ضرورة امتثال جميع الأطراف التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين والأعيان المدنية، مثل المرافق الطبية والمدارس». وشددوا على ضرورة ضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي. وكرروا دعوتهم العاجلة إلى تأييد مذكرة التفاهم في سبتمبر (أيلول) 2018 بشأن إدلب.
وكان 11 مدنياً قد قتلوا الثلاثاء في غارات جوية على محافظة إدلب ومحيطها، في شمال غربي سوريا، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
ومنذ بدء التصعيد نهاية أبريل، قتل أكثر من 600 مدني جراء الغارات السورية والروسية، بينما قتل 45 مدنياً في قصف للفصائل المقاتلة على مناطق سيطرة قوات النظام القريبة، وفق «المرصد السوري».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.