الدول كالأشخاص لها مواعيد مفصلية تنقلها إلى مسار جديد وإلى فضاء أوسع وأرحب. والسعوديون كان لهم موعد مهم في الحادي والعشرين من يونيو (حزيران). هو موعد مع المستقبل وبناء مرحلة جديدة قرر فيها صانع القرار الأول وقائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن ينحاز إلى المستقبل وتمكين جيل الشباب من صناعة التاريخ وصيانة الكيان واستقراره.
الدول النابهة والراسخة لا تشيخ، بل تتجدد وتجدد من نفسها. ولهذا ليس غريباً أن تكون السعودية واحة استقرار لافتة للانتباه في محيط مضطرب ومشحون بالمشكلات. بينما هي دولة وضعت أولوياتها على مدى تاريخها في استقرار وأمن وسلام المنطقة. وتحمل السعودية إرثاً عميقاً من البناء المؤسسي الداخلي لبيت الحكم الذي يبنى على ترابط وتلاحم متين. وفي الوقت نفسه تنظيم داخلي قوي يجسده عاملان مهمان: الاحترام والانصياع لقائد البلاد الملك الذي هو رمز الدولة وزعيمها وقائد العائلة وولي أمرها، والعامل الثاني هو تطور مؤسسي في مرجعية هيئة البيعة التي تمثل أبناء الملك المؤسس والتي تعتبر في تنظيمها وصلاحياتها صمام أمان يضمن حماية هذا البيت واستقرار البلاد.
وحينما قرر حاكم البلاد وملكها سلمان بن عبد العزيز تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد عاد إلى هيئة البيعة التي اتفقت بشبة إجماع (31 صوتا من 34) على ترشيح الملك، وهي أعلى نسبة موافقة في تاريخ هيئة البيعة. وقد ذهل العالم وهو يرى هذا الانتقال السلس والمرن وهو الذي كان يستمع من وقت لآخر من تقارير تنسب إلى دبلوماسيين ومراقبين عن خلافات في الأسرة السعودية وانهيار وشيك، ليكتشفوا أن الواقع السعودي مختلف وراسخ ومتين. وربما اللحظة الأكثر إثارة وإعجاباً هي مبايعة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الرجل الذي دحر الإرهاب وصان أمن البلاد، لولي العهد الجديد في ملمح يعكس رقي الكبار وأخلاق النبلاء.
الأمير محمد بن سلمان رجل المرحلة وهو في العامين الماضيين أثبت داخلياً وخارجياً أنه مشروع قائد سياسي يتخذ القرارات الصعبة ويتبنى مشروعات تنموية شاملة وأدار ملفات رئيسية للدولة بنجاح. هو الذي كان خلف هندسة التحالفات وبناء الشراكات الدولية. ويترجم رؤية ملك البلاد بشكل عملي وبزخم عال وسريع.
محمد بن سلمان رجل يحمل مشروعاً. والدول تنحاز للأشخاص الذين يحملون مشروعات ورؤية. فقد لمسنا أن لديه كاريزما خاصة، يتحدث بحماس عن رؤيته ومشروعاته المقبلة. لديه شفافية ووضوح ويعترف بالأخطاء وفي الوقت نفسه مدرك لواقع الأشياء وحقيقة الأوضاع. وهذه ميزة مهمة فوضوح الرؤية بوصلة القرارات السليمة.
وما يميز أسلوب عمل الأمير محمد أنه يعتمد على المنهج العلمي في دراسة أي ملف ويوجِد الفريق المناسب ويتابع بشكل قريب. ويلمس السعوديون كيف أن إيقاع عمل الوزارات أصبح مختلفاً، وديناميكا محور فلسفته يقوم على أسلوب تطوير خدمة المواطن. ولم يعد منصب الوزير شرفياً بل أصبح عملاً متطلباً، تحكمه مؤشرات أداء تحدد استمرارية الوزير من عدمها.
وفي ظل المتغيرات المتسارعة إقليمياً ودولياً كانت هناك حاجة إلى دور سعودي إقليمي فاعل يحمي الفراغ الذي نشأ في المنطقة بعد ما يسمى «الربيع العربي» ووضوح أطماع دول الجوار التي تطور طموحها وتدخلها في الشأن الداخلي العربي. ودولياً، الذي يرغب في وجود شريك قوي لمحاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة. ولذلك انبهر العالم بقدرة السعودية على إدارة ثلاث قمم تاريخية مع رئيس أقوى دولة في العالم لتدشن مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة ونقلة نوعية في التعامل الدولي مع قضايا المنطقة.
العالم تعب من مشكلات هذه المنطقة. وأصبحت السوداوية تحكم نظرة العالم إلى هذه المنطقة. فمن دول فاشلة إلى قوارب الموت التي تختصر معاناة شعوب تحلم بملجأ يمنح لها الحياة، وإرهاب مستشر وصل إلى أطراف العالم وأشعل الحريق في عواصمهم. وهنا يأتي دور الرياض التي حذرت من الإرهاب سابقا، وهي الآن تساهم في عقد عالمي جديد بين زعماء العالم الإسلامي وزعيمة العالم الحر لمحاربة الإرهاب ومن يموله أو يروج له. ولذلك كانت قمة الرياض التاريخية، وكان مهندسها وعرّابها شاب يجسد طموح دولة ورؤية جيل جديد، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
الاستقرار السعودي مهم ليس إقليمياً فحسب، بل للعالم بأسره، فأكبر مخزون روحي ونفطي هو على أرضها بوجود الحرمين الشريفين وكذلك بوجود أكبر احتياطي للطاقة في العالم. ولذلك يراقب العالم باهتمام ما يجري في السعودية ويستعصي عليه أحياناً فهم التركيبة السعودية الخاصة.
فعلى مدى عقود هناك استقرار وسلاسة في انتقال الحكم ولم يحدث أن عانت السعودية من فراغ دستوري أو خلاف دموي على كرسي الحكم. فالعقد الاجتماعي بين الشعب وبيت الحكم متين وأوجد صمام أمان رغم كل المتغيرات والتحولات الهائلة. وظلت السعودية لديها مناعة داخلية ضد الهزات السياسية. وما يميز العائلة الحاكمة تقديم مصلحة البلاد على مصلحة الأفراد، وربما هذا من أسرار نجاحها وما يعطي لها ميزة الاستمرارية والتجدد.
السعوديون يرسخون مكانهم في المستقبل حيث لا مكان لمتخاذل ولا وقت للتضييع. هناك مواعيد آنية وهناك موعد أكبر. فمشروعهم المقبل موعده «التحول الوطني 2020» وفي الوقت نفسه يضعون في روزنامة مواعيدهم تاريخهم الأكبر «رؤية 2030» ومهندسهما عراب التغيير محمد بن سلمان. إيقاع سريع فيه معيار الزمن والسباق والمراهنة على جيل الشباب، مجتمع يحلم ويسعى أن يعيش حاضرة ومستقبله ولا يكون فقط رهيناً لماضيه.
السعودية دولة شابة في أعمار مجتمعها وأصبح الحراك الداخلي ملموساً، يساهم في ذلك ثورة التكنولوجيا المعلوماتية والانفتاح، وعشرات الألوف من الشباب والشابات الذين يدرسون في الخارج. فكان الشاب محمد بن سلمان الذي يستند إلى تجربة ثرية من خلال مدرسة سلمان بن عبد العزيز التي كان لصيقاً بها ومتتلمذاً عليها، كما أنه يتبوأ منصبه الجديد منطلقاً من شرعية الحفيد الذي يحمل إرث الجد وثقة الأب ومحبة الشعب.
العالم يتشكل من جديد والسعودية جزء من هذا العالم. والانتظار أصبح لغة الخائفين ومدمني أنصاف الحلول. والقرار السعودي واضح وحازم، وهو الأخذ بزمام المبادرة وفرض معطيات الواقع وصناعة المستقبل الذي يريد.
*إعلامي سعودي
8:14 دقيقه
TT
لماذا محمد بن سلمان؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة