محمد فهد الحارثي
إعلامي سعودي

الإعلام العربي في عالم يتشكل... نحو الرياض

المتأمل في الواقع العربي المعاصر اليوم، لا يمكن أن تخطئ عيناه هذا التطور والتحول والتبدل المتسارع للأحداث الذي ألقى بظلاله على الصعد كافة، مع ما رافق ذلك من عدم وضوح في الرؤية أحياناً، وتشكلات وتغيرات عدة أصبحت سمة بارزة من سمات هذا العصر، وليس المشهد الإعلامي عن هذا ببعيد؛ إذ يُعدّ من أبرز المجالات التي تأثرت بكل هذا الزخم والتشكل والتغيّر، على الحالين سلباً وإيجاباً. وفي ظل هذا المشهد المتداخل، الذي يتسم بكثرة تشكلاته وتغيراته، كان لا بد من وقفة يقفها صانعو الإعلام العربي؛ لتحديد أي المواضع التي يمكن أن يوضع في إطارها هذا الإعلام العربي العريق، الذي يطمح لأن يكون دائماً في موضع الصدارة إقليم

هل يكرهوننا؟

كان هبوط أسعار النفط قبل عدة أسابيع، ونزولها إلى مستويات قياسية، صادماً للسعوديين والخليجيين عامة، ليس في تأثيره الاقتصادي، فهذا أمر مؤقت وسرعان ما يعود، ولكن في دهشتهم من حجم التشفي والشماتة من بعض الإخوة العرب، والذي ساهمت منصات «السوشيال ميديا» في تأجيجه وزيادة حدته. وعاد بالذاكرة للمظاهرات التي انطلقت في بعض العواصم العربية بعد احتلال صدام للكويت، وخرجت تردد: «بالكيماوي يا صدام من الكويت للدمام»، ويتزامن أيضاً مع التسريبات الأخيرة لحوارات التآمر ضد السعودية بين القذافي ومسؤولين عرب، وكمية الحقد الذي يسعى لتفتيت الدولة السعودية وبث الفوضى.

هل نحن مهوسون بصورتنا في الخارج؟

«أنا لا أكذبُ ولكن أتجمّل» قصة للروائي إحسان عبد القدوس، وتحولت لفيلم سينمائي، تعكس هذه العبارة واقع الرسالة الإعلامية وإشكاليتها. ودائماً ما تطرح قضية صورتنا في الخارج، وتستحوذ هذه القضية على اهتمامات كثيرين يرونها قضية مصيرية. وبعض الدول تخصص ميزانيات كبيرة من أجل تمويل أجهزة إعلام خارجي بهدف تقديم صورة إيجابية عن الدولة في الخارج. والاهتمام بالصورة الخارجية أمر طبيعي ومشروع، ولكن أن يتحول إلى شاغل أساسي وعامل مؤثر، فهنا يصبح الأمر مبالغاً فيه. فالإعلام بطبيعته يميل إلى الأخبار السلبية، ولذلك لا نتوقع أن الإعلام سيكون مسالماً معنا.

مواجهة الحقيقة وشهوة الجماهيرية في عالم «تويتر»

«زادت المعلومات وغابت الحقيقة». ربما هذه العبارة المختصرة تعكس واقع الحال وأزمة الواقع الجديد الذي فرضته ثورة المعلومات. ما يحصل في الواقع حالة ارتباك لدى الحكومات ووسائل الإعلام التقليدية (المقصود مؤسسات الإعلام الرئيسية). فهي بين خيارين أحلاهما مرٌّ إما اللهاث ومطاردة المعلومة على منصات شبكات التواصل الاجتماعي، وتحولها إلى رد فعل بدلاً من أن تكون هي الفاعل والمؤثر.

«كورونا»... «ديمقراطية الابتلاء» وحساب المراجعات

قد ينتابك شعورٌ بوجود كلمة كورونا في العنوان أن الموضوع أصبح مستهلكاً ومملاً. وأتفق معك أننا أخذنا جرعة كورونية معلوماتية تفيض عن الحاجة وتزيد. والكثيرون يفتون فيها وأصبحنا نعتقد أنفسنا أطباء أو خبراء. لكن موضوعنا هو النظر إلى كورونا كوباء من منظور الحاجة إلى فهم وجوده وانتشاره في الوقت هذا بالذات. وربما النظر إلى السياقات التي أتي منها هذا الوباء. فالأحداث لا تأتي جزافاً، بل هي ضمن مسببات وخلفيات ندرك بعضها وتغيب عنا أشياء.

هل «كورونا» فرصة العالم لإعادة التأهيل وأنسنة السياسة؟

العالم يعشَقُ المواعيدَ السهلة والعناوين الواضحة. سواء ارتبطت بأحداث إيجابية أو سلبية؛ فتاريخ يرتبط بالهجرة أو ميلاد المسيح، وهناك أحداث بقيت في التاريخ عام الطاعون الأسود أو حادثة 11 سبتمبر (أيلول). ويبدو جلياً أنَّ عامَنا الذي بدأ محموماً منذ مطلعه سيأخذ لقب «عام كورونا». وهذا الحدث سيشكّل العالم من جديد. هو حدث ربما يحتاج إليه العالم لإعادة أولوياته وعلاقاته ومفاهيمه.

رحيل... ورحيل

هل تمضي الحياة كما كانت؟ هل تبقى الأشياء كما هي، ويأتي صباح جديد، وتغادر الناس إلى أعمالها، وكأن ما حدث لم يحدث؟ كيف هي الحياة التي تختطف أجمل ما في حياتنا وتركض بعيداً عنا، ومن ثم تأخذنا إلى عالمها، نعيش أحداثها ويندمل جرح؛ لكنه لا يطيب. تعيش لفترات تعتقد أن ما يحدث في العالم من حولك لا يمكن أن يصيبك، وكأن لديك حماية استثنائية خصك بها الخالق. تسمع عن أحداث وأخبار وأشخاص رحلوا، وناس في خضم الركض غادروا. وتعود إلى منزلك ركضاً. تحتضن أمك لتشعر بالأمان، وتتحسس يد والدك لتقبلها فترتوي بالخير.

السياسة كما لم نرها من قبل!

يبدو أننا نعيش في عصر تاهت فيه البوصلة. والسياسة التي هي متقلبة في ألوانها وأشكالها وتحالفاتها، لم تكن في أي وقت بشكلها الذي نراه اليوم، فكل ما كنا نعتبره مستحيلاً أصبح هو الواقع. واختلطت الأمور علينا، فإما أن العالم لم يعد هو ذاك العالم الذي كنا نعرفه، أو أننا بتنا نختزل عصوراً في سنوات. فرجل أعمال تبوأ سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، وصفوه بأنه غمر في أمور السياسة، لكنه ما إن تسلم السلطة حتى قلب واشنطن رأساً على عقب. يعادي نصف العالم في ليلة، ويتصالح معه في لحظة. أنشأ لنفسه وكالة أنباء خاصة على «تويتر»، وخاصم وسائل الإعلام الكبرى وناصبها العداء.

السعودية: تحالفات الشرق ومصالح الغرب

السياسة ليست فن الممكن فقط، بل هي القدرة على رؤية الواقع واستشراف المستقبل، والعمل وفقاً لذلك. وخريطة التحالفات العالمية تتغير، وأقطاب القوى تتشكل، ومعها المخاطر تتزايد والفرص تتاح. والدول القادرة على فهم هذه الخريطة، والمبادرة بأن تكون سباقة، هي الدول القادرة على صناعة التغيير وإحداث الفرق. والسعودية رغم أنها تاريخياً تملك علاقات قوية مع دول الغرب، فإنها في استراتيجيتها الجديدة التي تتضح معالمها يوماً تلو آخر أعادت تشكيل خريطة علاقاتها الدولية، من مبدأ الانفتاح على الكل، وبناء علاقات ومصالح، والدخول في شراكات استراتيجية.

لماذا محمد بن سلمان؟

الدول كالأشخاص لها مواعيد مفصلية تنقلها إلى مسار جديد وإلى فضاء أوسع وأرحب. والسعوديون كان لهم موعد مهم في الحادي والعشرين من يونيو (حزيران). هو موعد مع المستقبل وبناء مرحلة جديدة قرر فيها صانع القرار الأول وقائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن ينحاز إلى المستقبل وتمكين جيل الشباب من صناعة التاريخ وصيانة الكيان واستقراره. الدول النابهة والراسخة لا تشيخ، بل تتجدد وتجدد من نفسها. ولهذا ليس غريباً أن تكون السعودية واحة استقرار لافتة للانتباه في محيط مضطرب ومشحون بالمشكلات. بينما هي دولة وضعت أولوياتها على مدى تاريخها في استقرار وأمن وسلام المنطقة.